رأى مراقبون أن ما قالته غرفة تجارة دمشق عن حجم التبرعات الضئيل الذي جمعته لإعادة بناء سوق العصرونية المحترقة، هو مؤشر لبداية بيع محال السوق لمن سموهم "الغرباء"، وذلك بعد فشل المنظمات غير الحكومية السورية في تمويل إعادة بنائها والتي احترقت أواخر أبريل/نيسان الفائت، في ظروف مازالت غامضة حتى اليوم.
وقالت الغرفة، أمس الأحد، أن حصيلة تبرعات حريق سوق العصرونية بلغت، حتى اليوم، نحو 17.3 مليون ليرة، علماً أن عدد أعضاء المنتسبين إلى الغرفة يتجاوز عشرة آلاف عضو، مشيرة إلى أن قضية حريق سوق العصرونية الذي وقع في دمشق القديمة بتاريخ 23/4/2016 ليست قضية آثار فقط، بل هي قضية تجارية وتمس أرزاق العاملين في السوق أيضاً.
وأضافت الغرفة في بيانها، أنها قامت بإنشاء صندوق من أجل دعم المتضررين من التجار في السوق، بهدف إعادة السوق إلى وضعها السابق، لكن بمواد بناء حديثة ملائمة ومقاومة للحرائق والعوامل الأخرى.
وتبنت غرفة تجارة دمشق مجموعة من المقترحات والتوصيات أبرزها وضع برنامج زمني للعمل وتحديد الجهات المسؤولة عن التنفيذ والمتابعة وضرورة عرض الدراسات المقترحة من كل الجهات لمناقشتها وإقرارها أو إجراء إضافات أو تعديلات عليها مع الحفاظ على النسيج العمراني للمنطقة المتضررة وما يرتبط بذاكرة المكان ووضع مخطط تفصيلي للأضرار الناتجة عن الحريق.
ودحضت غرفة تجارة دمشق رواية نظام بشار الأسد حول سرعة إطفاء السوق بقولها: إن حريق العصرونية أتى على المواد المخزنة في المنطقة، وهو ما ساعد على انتشار الحريق بشكل هائل وقد استمر حوالى 9 ساعات ليصل عدد المحلات التي أصيبت بالأضرار الكلية والجزئية إلى 105 محلات، منها 27 محلاً أزيلت تماماً.
واعتبر المهندس مازن زكي، والذي يعمل بمجال السياحة، أن إعلان غرفة تجارة دمشق، بداية فشل اتحاد غرف التجارة بالوقوف إلى جانب تجار العصرونية، وتركهم مساومات وضغوط السماسرة والمكاتب العقارية التي تلح لشراء المحال القريبة من ضريح السيدة رقية.
ويتساءل زكي عن أسباب انسحاب تجار دمشق من تمويل إعادة بناء سوق العصرونية، بعد أن تكفلت الغرفة وقدرت الأضرار بنحو 5 مليارات ليرة، بعيد الحريق بأيام قليلة، وانسحابها من كشف أسباب الحريق وتجريم الفاعلين.
ولفت إلى تخلي نظام بشار الأسد عن التجار وتقديم أي مساعدة لترميم السوق الأثرية وسط دمشق، مذكراً أن بشار الأسد أصدر مرسوماً رئاسياً لمساعدة متضرري تفجير مدينتي جبلة واللاذقية الشهر الفائت، وصرف 850 مليون ليرة لإعادة بناء مشفى جبلة وإنشاء مركز صحيّ ثان، وتقديم مليار ونصف المليار ليرة لمشروعات في مدينة السويداء.
تفريغ دمشق
وفتح حريق محال سوق العصرونية التاريخي بدمشق، ملف المعاناة التي يلاقيها الدمشقيون من وعود ووعيد، ليتخلوا عن عقاراتهم بدمشق القديمة للوافدين الجدد، عبر الإغراءات بأسعار مضاعفة وتأمين مساكن أو محال بأماكن أخرى، أو الاستيلاء عليها عنوة، والأسباب بحسب مراقبين، لا تقتصر على تهمة المالك بالإرهاب أو دعم وتمويل الثورة، إذ قد تحل النار، ما تعجز عنه الأفرع الأمنية، أمام تشبث أهل الشام، بأرضهم وتاريخهم.
ويؤكد مصدر خاص من دمشق، أنه في شهر مارس/آذار الفائت، اتصل تاجر سوري إيراني الأصل يدعى، علي الجعفري "قد لا يكون اسمه الحقيقي" ببعض أصحاب محال سوق العصرونية، يفاوضهم على شراء محالهم بعد رفضهم البيع وقت تم إرسال سماسرة إليهم وتجار عقارات، بحجة توسيع مقام "السيدة رقية".
ويضيف المصدر أن أصحاب المحال، وبعد عرض القضية وملامح التهديد الذي نقله لهم "الجعفري" إلى جهات مسؤولة قالت لهم، أنتم أحرار بالبيع من عدمه، رفضوا البيع، على الرغم من أن عائدية المحال بحسب المصدر لا تكاد تسد مصاريف الحياة اليومية للتجار، بواقع تراجع المبيع في أسواق دمشق.
وبعد 29 يوماً جاء الحريق، في الساعة السادسة صباحاً، ليأتي على أكثر من 140 محلاً تجارياً و3 مستودعات في السوق.
بدورها، اتهمت المهندسة، ريم جحى، بشكل مباشر، نظام الأسد بافتعال الحريق "إن لم يحرقها بماس كهربائي، كان سيحرقها بقصف مدفعي" واصفة الأسد بنيرون.
وتخوفت الدمشقية جحى من تحول المكان المحروق إلى حسينية أو تسليمه للإيرانيين "فمن يعرف دمشق يعرف أن المساحة من المناخلية مروراً بالعصرونية نحو باب البريد ومقام السيدة رقية، تشغل بال إيران، ليس طائفياً فقط، بل لأن هذه المنطقة بوابة دمشق ومفاتيحها".
ويعتبر سوق العصرونية من أقدم أسواق العاصمة دمشق القديمة، وهو شبه متخصص ببيع الألعاب والمنتجات المنزلية البلاستيكية والعطور ومستحضرات التجميل، فضلاً عن أنه المكان الذي احتضن بورصة دمشق في أربعينيات القرن الفائت، قبل إلغاء السوق المالية وتأميم المصارف والشركات المساهمة مطلع الستينيات.
وتأتي الحرائق كحلول لطمس الحقائق في سورية، وخاصة قبل الجرد السنوي نهاية العام، بحسب ما قال المهندس عدنان تامر.
إحلال الغرباء
ويضيف تامر وهو المدير العام السابق بوزارة الصناعة "غيّرت الحرائق التي شهدتها دمشق من معالمها التاريخية والاقتصادية، فقد تم إحراق محال بأسواق دمشق نتيجة عدم بيعها لتحويلها لفنادق ومبان حديثة، وإحراق وزارة السياحة المسجلة على قائمة يونيسكو عام 2009 وإحراق كلية الحقوق عام 2004" وكأن حل النار قدر دمشق التي أحرق الفرنسيون بعض أحيائها القديمة عام 1925 وحرقوا البرلمان عام 1945، حتى أن القاص السوري الشهير، زكريا تامر، كتب مجموعة اسمها، دمشق الحرائق".
ويرى مراقبون أن بعض أحياء دمشق، غلب عليها وجود "الغرباء" وباتت بعض أحياؤها القديمة أو المجاورة للسيدة "زينب" أو مقام السيدة "رقية" محرمة على السوريين.
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد" قال العامل السابق في المصالح العقارية سعيد إبراهيم: أتوقع خروج سجلات وبيانات عقارية جديدة ينتفي خلالها ملكية المحجوز على أموالهم والمتهمين بالإرهاب وتأييد الثورة، وخاصة المقاتلين بصفوف الجيش الحر في بعض مناطق ريف دمشق وحمص، لتدون الملكيات الجديدة بأسماء لبنانيين وإيرانيين "أو سوريين يتم نقلهم بعمليات مقايضة هذه الأيام".
وأكد إبراهيم المقيم في إسطنبول أن "المصالح العقارية" بسورية أطلقت سراً ما سمته خطة" لإيداع المناطق العقارية لنقلها من شكلها المؤقت إلى صفتها النهائية" مدعية الهدف هو ضبط المساحات الدقيقة للعقارات وإجراء عمليات فنية بشكل أكثر دقة وموضوعية.
وكشف الموظف السابق بمصالح العقارات السورية أن 43% من المناطق العقارية في سورية مسجلة باسم "مناطق مؤقتة" وفي سورية نحو 4.7 ملايين عقار و100 ألف سجل عقاري وعدد أوراق هذه السجلات أكثر من 16 مليون ورقة "معظمها أحرق وتدعي حكومة الأسد جهلها لمالكيها الحقيقيين".
وحذر المتخصص بالشؤون العقارية، إبراهيم مما يحضره نظام بشار الأسد "لسرقة عقارات السوريين بهدف تغيير التركيبة السكانية لتتناسب مع مخططات التقسيم المذهبية" مستشهداً بما قاله ممثل وزارة الداخلية، اصطيف الرفاعي، "تركت الحرب الكونية على سورية أثرها في جميع القطاعات ومنها دوائر السجل المدني التي تعرضت للدمار والتخريب والخروج من الخدمة، كاشفاً عن وجود 286 أمانة سجل مدني متضررة والظروف التي فرضتها الأزمة من تهجير قسري للأهالي اضطرتهم لترك أوراقهم الثبوتية" خلال ورشة "إدارة البيانات السكانية" التي أقامتها الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان بدمشق الشهر الفائت، معتبراً تصريح ممثل وزارة الداخلية دليلاً على تضييع ملكية السوريين.