ربما يجد المستثمر صعوبة في شراء شقة في وسط لندن بسعر ثلاثة ملايين دولار، لكن في مدينة ديترويت الأميركية يمكنك شراء 6 آلاف منزل بهذا المبلغ.
وهذا ما حدث بالفعل في مزاد لبيع العقارات في ديترويت قبل أسبوعين، حيث اشترى مستثمر 6 آلاف منزل بمبلغ 3.2 ملايين دولار. وهو ما يفوق قليلاً سعر 500 دولار للمنزل. لكن رغم هذه القيمة المتدنية لسعر المنازل التي بيعت في ديترويت، فإن البعض يرى أن المشتري قد لا يحقق أرباحاً. وحسب تصريحات ديفيد سيزمانسكي المسؤول عن هذه العقارات في منطقة "واين كاونتي"، فإن "من الصعوبة تحقيق أرباح من هذه الصفقة"، وذلك لأن الصفقة تتبعها عمليات ترميم وتكاليف أخرى قد تصل الى 24 مليون دولار. كما أن بلدية ديترويت تطالب المستثمر بإجراء الإصلاحات المطلوبة في ظرف ستة أشهر.
هذه ليست المرة الأولى التي تعرض فيها منازل بهذه الأسعار الرخيصة في ديترويت، فقد سبق أن عرضت منازل بأسعار زهيدة جداً، ولم تجد من يشتريها. وفي شارع "الباني ستريت" الواقع في شمال شرقي مدينة ديترويت، عرض مسكن من ثلاث غرف للبيع بدولار. وذلك حسب تصريحات جوان ويلسون ، صاحبة إحدى الوكالات العقارية بالمدينة التي تتخصص في مزادات المساكن المنزوعة. وتقول إن البنوك والمؤسسات العقارية تبيع المساكن بالجملة وفي شكل حزَم، لأنها ترغب في التخلص منها بأسرع وقت.
ومعظم المساكن التي أفلس أصحابها وسلموا مفاتيحها للبنوك والمؤسسات العقارية، تعد من منازل للطبقة
الوسطى. وهي مساكن تم شراؤها بأسعار تتراوح بين 70 ألفاً و90 ألف دولار.
ومنذ الأزمة المالية العالمية التي ضربت الاقتصاد الأميركي والعالم في عام 2008، تعيش مدينة ديترويت وضعاً مالياً مزرياً، حيث أغلقت صناعة السيارات أبوابها وفقد مئات الآلاف وظائفهم وتبع ذلك إفلاس المحلات التجارية والمطاعم التي كانت تزدهر وتوظف على هامش صناعة السيارات.
بدأ السكان يغادرون المدينة الى أماكن أخرى في أميركا بحثاً عن حياة أفضل لهم ولعائلاتهم. وفي العام الماضي، وتحديداً في يوليو/تموز أشهرت مدينة ديترويت إفلاسها رسمياً، بديون قدرت قيمتها بحوالي 18 مليار دولار. ومنذ إعلان الإفلاس وما تبعه من تداعيات، تتزايد حدة الزلزال العقاري في مدينة السيارات العالمية، التي كانت تزهو برواجها وحيويتها على باقي المدن الأميركية. ويحدث ذلك في وقت بدأت فيه صناعة العقارات في أميركا تعود للازدهار في مدن مثل ميامي ولوس أنجلس.
ويقول عقاري بديترويت في تعليقاته على كارثة العقارات في المدينة، "ببساطة، في أعقاب أزمة المال، أصبح العديد من أصحاب المساكن غير قادرين على تسديد دفع الأقساط، وهو ما انتهى بالبنوك للاستيلاء عليها. وهو وضع أدى الى تكدس مئات آلاف المساكن الخالية، التي أصبحت عبئاً على بلدية ديترويت وتسعى للتخلص منها بأي ثمن".
قصص بيع منازل
من بين الطرائف في هذا الصدد أن أحد ملاك المنازل في مدينة ديترويت عرض ثمناً لمنزله هاتف “آيفون 6″. وذلك عقب فشله المتكرر في بيع منزله الذي خفض سعره إلى 3 آلاف دولار.
ويتكون المنزل، الواقع في الجانب الشرقي من المدينة، من 3 غرف نوم وحمام، ولكنه بحالة مزرية أدت إلى تخفيض سعره من 5 آلاف دولار إلى 3 آلاف دولار.
أما الموسيقار المتجول جون بورمت الذي كان يعيش في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي الأميركية والذي يعيش حالياً في ديترويت، فيحكي قصة شراء منزله لإحدى الصحف المحلية بالمدينة قائلاً: لقد كنت أعيش في مدينة شيكاغو أدفع إيجاراً مرتفعاً. وفي أحد الأيام وصلني بريد إلكتروني من صديق يقول لي فيه إن أسعار المساكن في ديترويت أصبحت رخيصة فلماذا لا تشتري منزلاً هنالك؟. وقلت له أرسل لي أحد المنازل المعروضة، وفعلاً أرسل لي في اليوم الثاني منزلاً معروضاً للبيع بـ500 دولار. وكان ردي عليه، ألايوجد منزل أرخص من ذلك؟.
وكنت أظنها مزحة. لكن للمفاجأة، رد علي بعد أسبوع، مرسلاً لي صورة منزل من ثلاث غرف، معروض للبيع بـ100 دولار. وقمت على الفور بشراء المنزل وانتقلت إلى شيكاغو.
وفي منطقة "واين كاونتي" وحدها هنالك 42 ألف منزل معروض للبيع. وحسب إحصائيات بلدية ديترويت، فإن حوالى 56 الف منزل عرضت للبيع بعد إكمال الإجراءات القانونية الخاصة بانتزاعها من أصحابها. منها 20 الف منزل ستعرض في مزادات علنية، وحتى الآن لم يُبع منها سوى 6 آلاف. ويتوقع مسؤولون في بلدية ديترويت أن
يصل عدد المساكن التي سيتم انتزاعها وعرضها للبيع في مزادات خلال العام الجاري حوالى 75 الف منزل. وحسب التقارير التي نشرتها الصحف المحلية في ديترويت، فإن بعض أصحاب المساكن الذين يملكون المال، باتوا يحتالون بعدم دفع الأقساط الضخمة المترتبة على منازلهم حتى تنتزعها منهم البنوك، ثم يقومون بشراء مساكن بأسعار زهيدة. وبالتالي يتخلصون من دفع أقساط قرض عقاري.
مغامرات استثمارية
رغم هذا الانهيار، فإن بعض رجال الأعمال الذين يهوون المغامرة يراهنون على عودة المدينة للانتعاش مرة أخرى. ويأمل هؤلاء المغامرون أن يصبحوا أثرياء عبر هذه الاستثمارات الضئيلة التي وضعوها في عقارات المدينة.
من بين هؤلاء المغامرين الذين يصرّون على الاستثمار في المدينة المفلسة، المستثمر البيروفي رناندو بالازويلو، والذي قام بشراء مصنع سيارات "باكارد" في وقت سابق من العام الحالي، وهو أحد المصانع الأكثر شهرة في مدينة ديترويت.
وقال بالازويلو: "أعتقد أن موقع باكارد هو الموقع الأفضل حيث تحيط به الطرق السريعة غير العادية، والسكك الحديدية، والمطارات القريبة جداً من كندا".
كذلك اشترى بالازويلو مع موقع "باكارد"، مساحات تقدر بحوالى 325 ألف متر مربع أو (3.5 ملايين قدم مربعة) بقيمة 405 آلاف دولار فقط. واشترت إحدى الشركات الصينية ثلاثة عقارات في وسط المدينة العام الماضي.
ومنذ حوالي 15 عاماً، وبكلفة بلغت حوالي 350 مليون دولار، فإن بالازويلو يتصور تحويل موقع "باكارد" إلى مركز تجاري وصناعي وسكني. وقال بحماسة "بعد عشر سنوات لن تتمكن من التعرّف على المصنع".
وكان بالازويلو قد استثمر بكثافة في مركز ليما التاريخي، وهي منطقة هدمت أيضاً بسبب التخريب وعقود من التدهور. واشترى العقار بأسعار رخيصة.