لو استعرضت فقط عناوين الكتب التي ينسب تأليفها لرئيس الولايات المتحدة الخامس والأربعين، دونالد ترامب، لخرجت بصورةٍ لا بأس بها عن الرجل وأسلوبه في الإدارة (ترامبوكراسي) وفكره الاقتصادي (ترامبيزم).
وعناوين كتبه هي "فن الصفقة"، "أميركا المعاقة"، "أميركا التي نستحق"، "الاستمرار في القمة"، "فن العودة"، "آن الوقت لأميركا كي تصبح عظيمة ثانية"، "ترامب 101.. أو مبادئ ترامب الأساسية"، "ليكن فكرك كبيراً ولترفُس"، "أحسن نصيحة أعمال سمعتها"، و"نريدك أن تصبح غنياً: رجلان ورسالة واحدة"، وهذا الكتاب وضع بالمشاركة مع روبرت كيلوسكي، .. إلخ.
ونعلم أن ترامب، قبل انتخابه، كان يقدم برنامجاً تلفزيونياً ناجحاً اسمه "المتدرب أو التلميذ"، وهي ترجمة إلى العربية من الكلمة الإنكليزية "أبرينتيس"، (The Apprentice)، حيث يتسابق مجموعة من الشباب والشابات لحل مشكلاتٍ في الأعمال، أو يطلب منهم أفكاراً مبتكرةً بشأن إنشاء عمل جديد، أو فتح أسواق جديدة. وقد تميّز هذا البرنامج بالحزم، حيث يقول دونالد ترامب للشخص الذي فشلت أفكاره "أنت مفصول".
ومثلما كان للرئيس رونالد ريغان فكر اقتصادي رأسمالي كلاسيكي، فرضه على أميركا وحلفائها والدول التي تعاني من المديونية. وأطلق على هذا النموذج "الريغانيزم"، أو "الريغانية"، حبك معلّقون سياسيون وصحافيون كلمة "ترامبيزم"، للإشارة إلى خلاصة فكره الاقتصادي، والاقتصادي السياسي.
ولا يعتمد هذا النموذج على الفكر الاقتصادي، بقدر ما يعتمد على استثمار قوة أميركا، وارتباط الآخرين بها، ليفرض عليهم شروطاً تفيد الذين انتخبوه في الولايات المتحدة، وهم في غالبهم من الطبقة الوسطى والعمال البيض، وقسمٌ من الناجحين في حياتهم اقتصادياً من الأفارقة الأميركيين والمهاجرين من أصول لاتينية أو آسيوية.
ومن الأمثلة على هذه السياسة مطالبته حلف شمال الأطلسي (الناتو) أن يزيد الأعضاء الآخرون فيه من نسب مساهماتهم في موازنة الحلف، وتقليل حصة الولايات المتحدة. وقد نجح في ذلك. وكذلك مطالبته بالحد من الهجرة، متهماً القادمين من بعض الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالإرهاب، ومتهماً المهاجرين من أميركا اللاتينية، وخصوصا جارة الولايات المتحدة، بالاتجار بالمخدرات والرقيق الأبيض.
ولا يتردد الرئيس ترامب، عبر تغريداته، في إهانة شعوب بأكملها، مثل شعبي هاييتي والسلفادور، واتهمهما بالقذارة والجهل.
وفتح ترامب باب التفاوض مع الصين من أجل تعديل الميزان التجاري معها، والذي يحقق للصين وفورات كبيرة. ففي عام 2016، على سبيل المثال، صدّرت الصين إلى الولايات المتحدة ما مقداره 463 مليار دولار، واستوردت منها ما قدره 116 مليار دولار فقط. وهذا مكّن الصين أن تحقق وفراً تجارياً قدره 347 مليار دولار.
ولذلك صار ترامب يطالب الرئيس الصيني بأن ترفع سعر تبادل عملتها حيال الدولار، لتصبح أسعار السلع الصينية أعلى، والسلع الأميركية في الصين أقل كلفة. وبهذا الإجراء، يتضاءل العجز نتيجة نقص صادرات الصين إلى الولايات المتحدة وزيادة مستورداتها منها.
وكذلك ينسجم ترامب مع عناوين كتبه بما قام به من تفاوض مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، ودول الخليج الأخرى. فقد طالبهم بأن يشتروا طائرات "بوينغ" بدلاً من "إيرباص"، وتدخل لكي يمنع بيع أسهم شركة أرامكو في بورصة لندن، وحوّلها إلى بورصة نيويورك. وكذلك نجح في عقد صفقات أسلحة، ومزايا أخرى لتنفيذ مشروعات كبرى.
وكرّر هذه التجربة مع المكسيك، وكوريا الجنوبية، واليابان، وألمانيا، والاتحاد الأوروبي. وقد اتخذت كل هذه الإجراءات لكي يوفر فرص عمل أكبر للأميركيين الذين صوّتوا له، واستهدفهم ليؤيدوه في أثناء حملته الانتخابية.
لقد سمى محللون هذه السياسات التي يقودها الرئيس الأميركي بالبلطجة، وبعضهم نعتها "انعزالية"، واعتبرها آخرون مخالفة القوانين الدولية، وآخرون سموها "الانفرادية".
ولم تسلم الأمم المتحدة من قراراته، فهو واقع تحت تأثير اللوبي الصهيوني، ما دفعه إلى الخروج من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، وتقليص حصة أميركا في موازنة الأمم المتحدة. وها هو أخيرا قد هدد بتقليص المساعدة لوكالة الغوث الدولية للاجئين الفلسطينيين (أونروا) بمقدار 65 مليون دولار سنوياً.
وحتى على المستوى الداخلي، فهو وبعد مرور سنة على تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، فإنه في حالة مناكفة دائمة مع الحزب الديمقراطي، وحتى مع أعضاء في حزبه الجمهوري الذين يتخذون مواقف مخالفة لما يريد. وآخر مثال على ذلك إغلاق بعض المؤسسات والدوائر العامة، بسبب عدم الاتفاق على الموازنة العامة.
وتنبأ الإحصائيون، وكذا دور دراسات قياس الرأي العام في الولايات المتحدة، بأن احتمالية استعادة الحزب الديمقراطي المعارض الأغلبية المطلقة في مجلس النواب الأميركي بنسبة 70 - 80%، وبالنسبة لمجلس الشيوخ فهي في حدود 30-40%.
صحيح أن الرجل حقق إنجازات اقتصادية واضحة في قطاعات الطاقة والنفط والصناعة، وزيادة في صادرات الولايات المتحدة، ورفعاً بسيطاً للأجور، وأصبحت نسبة البطالة لا تزيد الآن على 4.2%، علماً أنها وصلت إلى 7 - 6% أيام الرئيس السابق، باراك أوباما، ولكن زمردة التاج لنجاحه الاقتصادي هو الارتفاع غير المتوقع في أسعار سوق رأس المال، حيث تجاوز مؤشر الناسداك الذي وصل يوم 19-1-2018 إلى أكثر من 26 ألف نقطة.
ولكن السؤال: هل ستشفع له هذه الإنجازات لكي يستمر على هذا النهج؟ وهل هذه السياسات قابلة للديمومة؟
إن دولاً، كالصين وروسيا، وحتى الاتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية قد تتحالف ضد ترامب؟ وماذا لو خسر الأغلبية في كل من مجلسي النواب والشيوخ، فهل سيستطيع تمرير سياساته؟
الجواب المرجح يتراوح بين نسبة ضئيلة والصفر.
ربما نشهد في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بعد إتمام انتخابات منتصف الفترة، تحولاً في مراكز القوى في الولايات المتحدة؟ فهل ستبقى سياساته على ما هي؟ وهل سيبقى حلفاؤه العرب على ما هم عليه من علاقات مع الولايات المتحدة؟ أسئلة تستحق التأمل.
اقــرأ أيضاً
وعناوين كتبه هي "فن الصفقة"، "أميركا المعاقة"، "أميركا التي نستحق"، "الاستمرار في القمة"، "فن العودة"، "آن الوقت لأميركا كي تصبح عظيمة ثانية"، "ترامب 101.. أو مبادئ ترامب الأساسية"، "ليكن فكرك كبيراً ولترفُس"، "أحسن نصيحة أعمال سمعتها"، و"نريدك أن تصبح غنياً: رجلان ورسالة واحدة"، وهذا الكتاب وضع بالمشاركة مع روبرت كيلوسكي، .. إلخ.
ونعلم أن ترامب، قبل انتخابه، كان يقدم برنامجاً تلفزيونياً ناجحاً اسمه "المتدرب أو التلميذ"، وهي ترجمة إلى العربية من الكلمة الإنكليزية "أبرينتيس"، (The Apprentice)، حيث يتسابق مجموعة من الشباب والشابات لحل مشكلاتٍ في الأعمال، أو يطلب منهم أفكاراً مبتكرةً بشأن إنشاء عمل جديد، أو فتح أسواق جديدة. وقد تميّز هذا البرنامج بالحزم، حيث يقول دونالد ترامب للشخص الذي فشلت أفكاره "أنت مفصول".
ومثلما كان للرئيس رونالد ريغان فكر اقتصادي رأسمالي كلاسيكي، فرضه على أميركا وحلفائها والدول التي تعاني من المديونية. وأطلق على هذا النموذج "الريغانيزم"، أو "الريغانية"، حبك معلّقون سياسيون وصحافيون كلمة "ترامبيزم"، للإشارة إلى خلاصة فكره الاقتصادي، والاقتصادي السياسي.
ولا يعتمد هذا النموذج على الفكر الاقتصادي، بقدر ما يعتمد على استثمار قوة أميركا، وارتباط الآخرين بها، ليفرض عليهم شروطاً تفيد الذين انتخبوه في الولايات المتحدة، وهم في غالبهم من الطبقة الوسطى والعمال البيض، وقسمٌ من الناجحين في حياتهم اقتصادياً من الأفارقة الأميركيين والمهاجرين من أصول لاتينية أو آسيوية.
ومن الأمثلة على هذه السياسة مطالبته حلف شمال الأطلسي (الناتو) أن يزيد الأعضاء الآخرون فيه من نسب مساهماتهم في موازنة الحلف، وتقليل حصة الولايات المتحدة. وقد نجح في ذلك. وكذلك مطالبته بالحد من الهجرة، متهماً القادمين من بعض الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالإرهاب، ومتهماً المهاجرين من أميركا اللاتينية، وخصوصا جارة الولايات المتحدة، بالاتجار بالمخدرات والرقيق الأبيض.
ولا يتردد الرئيس ترامب، عبر تغريداته، في إهانة شعوب بأكملها، مثل شعبي هاييتي والسلفادور، واتهمهما بالقذارة والجهل.
وفتح ترامب باب التفاوض مع الصين من أجل تعديل الميزان التجاري معها، والذي يحقق للصين وفورات كبيرة. ففي عام 2016، على سبيل المثال، صدّرت الصين إلى الولايات المتحدة ما مقداره 463 مليار دولار، واستوردت منها ما قدره 116 مليار دولار فقط. وهذا مكّن الصين أن تحقق وفراً تجارياً قدره 347 مليار دولار.
ولذلك صار ترامب يطالب الرئيس الصيني بأن ترفع سعر تبادل عملتها حيال الدولار، لتصبح أسعار السلع الصينية أعلى، والسلع الأميركية في الصين أقل كلفة. وبهذا الإجراء، يتضاءل العجز نتيجة نقص صادرات الصين إلى الولايات المتحدة وزيادة مستورداتها منها.
وكذلك ينسجم ترامب مع عناوين كتبه بما قام به من تفاوض مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، ودول الخليج الأخرى. فقد طالبهم بأن يشتروا طائرات "بوينغ" بدلاً من "إيرباص"، وتدخل لكي يمنع بيع أسهم شركة أرامكو في بورصة لندن، وحوّلها إلى بورصة نيويورك. وكذلك نجح في عقد صفقات أسلحة، ومزايا أخرى لتنفيذ مشروعات كبرى.
وكرّر هذه التجربة مع المكسيك، وكوريا الجنوبية، واليابان، وألمانيا، والاتحاد الأوروبي. وقد اتخذت كل هذه الإجراءات لكي يوفر فرص عمل أكبر للأميركيين الذين صوّتوا له، واستهدفهم ليؤيدوه في أثناء حملته الانتخابية.
لقد سمى محللون هذه السياسات التي يقودها الرئيس الأميركي بالبلطجة، وبعضهم نعتها "انعزالية"، واعتبرها آخرون مخالفة القوانين الدولية، وآخرون سموها "الانفرادية".
ولم تسلم الأمم المتحدة من قراراته، فهو واقع تحت تأثير اللوبي الصهيوني، ما دفعه إلى الخروج من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، وتقليص حصة أميركا في موازنة الأمم المتحدة. وها هو أخيرا قد هدد بتقليص المساعدة لوكالة الغوث الدولية للاجئين الفلسطينيين (أونروا) بمقدار 65 مليون دولار سنوياً.
وحتى على المستوى الداخلي، فهو وبعد مرور سنة على تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، فإنه في حالة مناكفة دائمة مع الحزب الديمقراطي، وحتى مع أعضاء في حزبه الجمهوري الذين يتخذون مواقف مخالفة لما يريد. وآخر مثال على ذلك إغلاق بعض المؤسسات والدوائر العامة، بسبب عدم الاتفاق على الموازنة العامة.
وتنبأ الإحصائيون، وكذا دور دراسات قياس الرأي العام في الولايات المتحدة، بأن احتمالية استعادة الحزب الديمقراطي المعارض الأغلبية المطلقة في مجلس النواب الأميركي بنسبة 70 - 80%، وبالنسبة لمجلس الشيوخ فهي في حدود 30-40%.
صحيح أن الرجل حقق إنجازات اقتصادية واضحة في قطاعات الطاقة والنفط والصناعة، وزيادة في صادرات الولايات المتحدة، ورفعاً بسيطاً للأجور، وأصبحت نسبة البطالة لا تزيد الآن على 4.2%، علماً أنها وصلت إلى 7 - 6% أيام الرئيس السابق، باراك أوباما، ولكن زمردة التاج لنجاحه الاقتصادي هو الارتفاع غير المتوقع في أسعار سوق رأس المال، حيث تجاوز مؤشر الناسداك الذي وصل يوم 19-1-2018 إلى أكثر من 26 ألف نقطة.
ولكن السؤال: هل ستشفع له هذه الإنجازات لكي يستمر على هذا النهج؟ وهل هذه السياسات قابلة للديمومة؟
إن دولاً، كالصين وروسيا، وحتى الاتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية قد تتحالف ضد ترامب؟ وماذا لو خسر الأغلبية في كل من مجلسي النواب والشيوخ، فهل سيستطيع تمرير سياساته؟
الجواب المرجح يتراوح بين نسبة ضئيلة والصفر.
ربما نشهد في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بعد إتمام انتخابات منتصف الفترة، تحولاً في مراكز القوى في الولايات المتحدة؟ فهل ستبقى سياساته على ما هي؟ وهل سيبقى حلفاؤه العرب على ما هم عليه من علاقات مع الولايات المتحدة؟ أسئلة تستحق التأمل.