نقلت "رويترز" عن "مصادر مطلعة" قولها إن "منظمة البلدان المصدرة للبترول" (أوبك) حثت أعضاءها على عدم التطرق لذكر أسعار النفط عند مناقشة سياسة المنظمة، في تغير جذري عن نهجها في الماضي، فيما تسعى (أوبك) لتفادي مخاطر اتخاذ إجراء قانوني أميركي بحقها بذريعة التلاعب في السوق.
وثمة تشريع أميركي مقترح يعرف باسم "نوبك"، من شأنه أن يجعل (أوبك) عرضة لدعاوى قضائية تتعلق بالاحتكار، وهو تشريع ظل مجمداً لفترة طويلة، إذ ألمح رؤساء أميركيون سابقون إلى أنهم سيعترضون على أي تحرك لتحويله إلى قانون.
لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المعروف بشدة انتقاده لـ(أوبك)، يحمّل المنظمة مسؤولية ارتفاع أسعار النفط ويحثها على زيادة الإنتاج لتخفيف الضغوط عن سوق تحوم حول أعلى مستوياتها في 4 سنوات.
وهذا ما جعل (أوبك) والسعودية، أكبر منتجي المنظمة، قلقين من تشريع "منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط" الذي يُعرف اختصاراً باسم "نوبك".
وفي يوليو/ تموز، شارك مسؤولون كبار من (أوبك) في ورشة عمل في فيينا مع شركة الاستشارات القانونية الدولية وايت آند كيس لمناقشة مشروع قانون "نوبك"، وأوصى المحامون بتجنب النقاش العام لأسعار النفط والتحدث بدلاً من ذلك عن استقرار سوق الخام، حسبما قال مصدران مطلعان.
وذكر أحد المصادر أن مسؤولي (أوبك) نُصحوا أيضاً بالبحث عن قنوات ضغط دبلوماسية والحيلولة دون تحول "نوبك" إلى قانون. وفي الأول من أغسطس/ آب، أرسلت الأمانة العامة لـ(أوبك) خطاباً إلى الوزراء يتضمن توصية مماثلة.
وكتب سهيل المزروعي وزير الطاقة الإماراتي، الذي يتولى الرئاسة الدورية لمنظمة (أوبك) هذا العام، في الخطاب الذي اطلعت عليه رويترز: "نعتقد جدياً بأن استقرار السوق، لا الأسعار، هو الهدف المشترك لتحركاتنا. أدعو الدول الأعضاء في (أوبك)، وأيضاً زملاءنا المشاركين من خارج المنظمة، إلى الإحجام عن أي إشارة إلى الأسعار في تعليقاتهم بخصوص جهودنا الجماعية أو الوضع في سوق النفط".
وتحديد أسعار النفط ليس الوسيلة الوحيدة التي تستخدمها (أوبك) لتوجيه السوق. فعلى سبيل المثال تستطيع المنظمة دعم الأسعار من خلال خفض الإنتاج، وخفضها من خلال زيادة الإمدادات.
لكن التنسيق الخاص في كيفية إرسال رسالة (أوبك) إلى السوق، يمثل تخلياً عن الممارسات السابقة، حينما كانت السعودية تلمح في الغالب إلى مستوى سعري مفضل عند التحدث عن سياسة المنظمة وتسعى للمضي قدماً في إجراءات لتحقيق ذلك.
تشنج العلاقات
بينما تبدو فرص إقرار القانون هذا العام ضئيلة، يتنامى قلق أعضاء (أوبك) ومنتجين آخرين للنفط، من أنه ربما ينال دعم ترامب في نهاية المطاف، نظراً لانتقاداته العلنية للمنظمة وارتفاع أسعار النفط.
وجاء خطاب (أوبك) قبل شهرين من تصاعد التشنج في العلاقات الأميركية السعودية، عقب اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي خلال زيارته قنصلية المملكة في إسطنبول.
وقال مصدر مطلع في مجلس الشيوخ الأميركي إنه من المرجح أن يتجدد الاهتمام بتشريع "نوبك"، إذ يدرس المشرعون أي إجراءات للرد على اختفاء خاشقجي.
مخاطر التقاضي ربما تقف وراء تأخير طرح "أرامكو"
على مدى معظم العام الماضي، أغضبت السعودية واشنطن من خلال دفع (أوبك) إلى تبني إجراءات لدعم أسعار النفط، في تحول عن موقفها السابق الأكثر اعتدالاً.
وربطت مصادر في قطاع النفط هذا التحول، بالرغبة في تعظيم الإيرادات ورفع قيمة شركة النفط الحكومية العملاقة "أرامكو" السعودية قبيل طرح عام أولي مزمع لأسهمها، الذي يمثل جزءاً أساسياً في إصلاحات يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بهدف تنويع اقتصاد المملكة.
وأبلغت مصادر رويترز أنه تم تعليق الطرح العام لأسهم "أرامكو"، الذي توقع البعض وصول قيمته إلى 100 مليار دولار.
وذكر بن سلمان هذا الشهر أن الطرح تأجل حتى عام 2021، بينما تقول مصادر في القطاع إن التأجيل يرجع لأسباب من بينها مخاطر تتعلق بالتقاضي إذا أُدرجت (أرامكو) في نيويورك، وهي سوق يفضلها ولي العهد السعودي للإدراج.
وقال أحد المصادر المطلعة على استعدادات (أرامكو) للطرح الأولي: "هناك مخاوف كبيرة من أن يتحول "نوبك" إلى (قانون) جاستا آخر"، في إشارة إلى ما يعرف باسم "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي يتيح لضحايا هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 بمقاضاة الرياض.
وظلت السعودية، التي تنفي ضلوعها في الهجمات، لفترة طويلة في منأى عن الدعاوى القانونية. لكن الأمر تغير في 2016، حينما رفض الكونغرس اعتراض الرئيس الأميركي آنذاك، باراك أوباما، على قانون "جاستا".
وباستثمارات تقترب من تريليون دولار في الولايات المتحدة، من بينها أصول مملوكة لـ(أرامكو)، فإن الرياض لديها الكثير لتخسره إذا جرى إقرار "نوبك" وتحويله إلى قانون. فذلك من شأنه أن يرفع الحصانة السيادية التي ينعم بها منتجو النفط حالياً، بمن فيهم أعضاء (أوبك)، وتحميهم من اتخاذ إجراءات قضائية أميركية بحقهم.
ووقعت "غيبسون دان" للاستشارات القانونية، ومقرها واشنطن، عقداً مع السفارة السعودية هناك في أواخر أغسطس/ آب، بحسب نسخة من العقد أُرسلت إلى وزارة العدل الأميركية. وينص العقد على أن من مهام غيبسون دان "معارضة نوبك".
وقال مصدران مطلعان لرويترز، طلبا عدم ذكر اسميهما، إن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أثار المخاوف بشأن "نوبك" مع مسؤولين أميركيين كبار، من بينهم وزير الطاقة ريك بيري، خلال اجتماعات خاصة.
(رويترز)