تحاول الحكومة الإيرانية، برئاسة حسن روحاني، اتخاذ خطوات متعددة لإصلاح النظام الاقتصادي في البلاد، ومن بين الخطوات تبديل العملة المحلية من الريال إلى التومان، مع حذف صفر واحد منها، على أن يساوي التومان الواحد عشرة ريالات.
وكانت خطوة تغيير العملة قد عادت إلى الواجهة مجدداً بداية هذا الأسبوع رغم اعلان الحكومة في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي عن موافقتها رسمياً على استبدال اسم العملة.
وكان محافظ البنك المركزي الايراني، ولي الله سيف، قد أعلن أمس، أن استبدال الريال بعملة التومان الذي يساوي 10 ريالات، سيطبق فور إقرار مشروع القانون بمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، وذلك حسب ما ذكرت وكالة فارس الإيرانية للأنباء.
وأوضح سيف، على هامش اجتماع مجلس الوزراء الايراني، أمس الاربعاء، أنه ليس من المقرر طبع أوراق نقدية جديدة في المرحلة الأولى من تطبيق القانون، حيث ستتم عملية الاستبدال تدريجياً عبر جمع العملة القديمة من الأسواق وعدم طرحها للتداول مجدداً.
وفي الوقت الذي يرى فيه البعض، أن هذه الخطوة قد تصب لصالح التحكم في نسبة التضخم الاقتصادي، الذي لطالما أثّر سلباً على الظروف المعيشية في البلاد خلال سنوات سابقة، ولاسيما في زمن تشديد العقوبات، إلا أن خبراء الاقتصاد الإيراني يقللون من شأن هذه الخطوة كثيراً، على الأقل خلال المرحلة الراهنة أو قريبة الأجل.
وترى المحللة الاقتصادية فرشته رفيعي، أن هذه الخطة ليست جديدة، وقد وافقت عليها الهيئة الحكومية، في وقت سابق، لا بل وقد طُرح موضوع حذف الأصفار من العملة الإيرانية في زمن الرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، ولم تستطع حكومته تطبيقه عملياً، بسبب الصعوبات الجمة التي واجهت الاقتصاد.
وفي حديثها مع "العربي الجديد" أضافت رفيعي، أن الأمر لن يطبق بمجرد موافقة الحكومة، إلا أنه سيُرفع بعد ذلك على شكل مشروع ليبحثه نواب البرلمان، وسيحول للجنة صيانة الدستور، ليدخل بعد ذلك ساحة التطبيق العملي.
ولا تعتقد رفيعي أن الموضوع سيؤثر سلبا أو إيجاباً على التضخم، مؤكدة أن هذه الخطة تأتي ضمن مشروع يسمى بإصلاح النظام المصرفي، وترى أن آثاره ستكون نفسية وحسب، فاستعمال التومان رسمياً وعلى الفئات النقدية، وهي الكلمة الدارجة بين الإيرانيين في الواقع سيسهل عليهم الأمور كثيراً.
في ذات الوقت أكدت المحللة رفيعي، أن خطوة من هذا القبيل، تحتاج إلى اتخاذ خطوات عديدة بالتزامن وتطبيقها، وإلا لن يكون لها أي تأثير من الأساس، معتبرة أن وجهة النظر التي تتحدث عن ضرورة حذف أكثر من صفر من العملة المحلية، قد تكون أكثر عملية بالفعل.
ويقول آخرون: لعل طرح الأمر في هذا التوقيت قد يكون له رسائله الحكومية، فروحاني وطاقمه يسعون إلى تقديم الأفضل على الساحة الاقتصادية، خاصة بعد التوصل إلى الاتفاق النووي، رغم صعوبة جني ثماره الحقيقية، والتي كان يتطلع إليها الإيرانيون في الداخل، ولطالما شكّل سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية الأخرى تحدياً بالنسبة لإدارة روحاني.
من ناحيته، يعتبر الخبير الاقتصادي بهمن أرمان، أن خطة تغيير اسم العملة المحلية من الريال إلى التومان طُرحت أكثر من مرة، والحال نفسه بالنسبة لحذف الأصفار، قائلاً إنها كانت تجربة ناجحة في عدد من البلدان مثل تركيا وأوكرانيا وبعض دول أميركا الجنوبية.
ويرى أرمان أن الحكومة تسعى بالدرجة الأولى إلى تحسين قيمة صرف العملة المحلية أمام العملات الصعبة، فضلاً عن وجود أسباب قد ترتبط بعدم وجود سيولة في النقد لدى البنك المركزي، إلا أنه أكد أن مسائل الاقتصاد الإيراني تحتاج إلى أكثر من هذا، وأبعد من خطة لتبديل العملة المحلية أو حذف صفر واحد من فئاتها النقدية، وحسب.
وذكر أنه إذا لم يتزامن تطبيق الخطة مع إصلاحات اقتصادية بنيوية أخرى، خاصة في النظام المصرفي، فلن تصل الحكومة إلى نتيجة تذكر باستثناء أنها قد تحصد نتائج في الشارع، حيث سيصبح أسهل على المواطنين التعامل مع التومان.
يرى الخبير أرمان، أنه قد يكون لهذا المسعى الحكومي أسباب سياسية إلى جانب تلك الاقتصادية، مستبعداً هو الآخر أن يحدث أي تأثير عملي قريب المدى على نسبة التضخم الاقتصادي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تطبيق هذا القرار يعني حاجة الحكومة بالضرورة إلى موازنة تخصصها لتبديل الفئات النقدية لديها وطبع فئات جديدة. وقال أرمان إن هذا الأمر بالذات قد يؤجل موضوع تغيير العملة برمته، كما حدث خلال زمن أحمدي نجاد، متوقعاً ألا يتم تمرير الأمر بسهولة في البرلمان.
وفي سؤال عن وجهة نظر برلمانية، قال نائب رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان، سيد فريد موسوي: إن الحكومة مضطرة إلى إحداث بعض التغييرات، ومنها ما يرتبط بالعملة المحلية، مشيراً هو الآخر، إلى أن الموضوع لن يشكل حلاً سحرياً لكافة المشكلات.
وذكر موسوي لـ "العربي الجديد": إنه من المجدي أن تقرر الحكومة حذف أكثر من صفر واحد، وهو ما سيسهل التعاملات أكثر، وكان هذا الأمر ضمن خطط البنك المركزي سابقاً، لكنه لم يعد ضمن الأولويات حالياً، قائلاً إنه لا يمكن توقع حصد نتائج كبرى، لكنه مشروع هام يجب تطبيقه، إنما في الوقت المناسب وبعد بناء أرضية جني ثماره وهو ما يحتاج لعدة خطط بالتزامن، حسب وصفه.
الجدير بالذكر، أن الدافع الرئيس لخطوة من هذا النوع قد يتعلق بقيمة العملة المحلية، أكثر مما يرتبط بنسبة التضخم الاقتصادي، ورغم أن سعر صرفها أمام الدولار لم يتحسن كثيراً منذ التوصل إلى الاتفاق النووي مع السداسية الدولية قبل عامين، لكن الريال الإيراني شهد استقراراً نسبياً، ويبلغ الدولار الواحد 3200 تومان تقريباً، وفق سعر صرف البنك المركزي، أي ما يعادل 32 ألف ريال، بينما يزيد في السوق السوداء عن 3700 تومان أحياناً.
وقد فقدت العملة الإيرانية ثلث قيمتها تقريباً إثر تدهور حاد أصابها خلال فترة وجيزة عقب تشديد الحظر الاقتصادي على البلاد في سنوات سابقة، بسبب برنامجها النووي أيضاً، لكن الاستقرار النسبي في زمن حكومة روحاني كبح كذلك جماح نسبة التضخم فوصلت إلى أقل من 10%، بعد أن تخطت 30% في أعوام فائتة.
وقبل أشهر، حاول البنك المركزي الإيراني أن يثبّت سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار بقيمة 31 ألف ريال، لتكون القيمة الأعلى والأقرب لسعر صرف السوق السوداء، وبعد أن تباين السعران كثيراً في أوقات سابقة، وهذا بحد ذاته انعكس إيجاباً على مؤشرات الاقتصاد المحلي، وتأتي خطوة حذف صفر واحد وتغيير العملة إلى التومان، ضمن سياق التحكم في السوق، بحسب البعض.
لكن في ذات الوقت يؤيد بعض الإيرانيين الفكرة، فيرى بعضهم أنها ستريحهم من استعمال عملتين، لكن هذه الفئة تعتبر أيضاً أنه من الضروري حذف أكثر من صفر.
والبعض الآخر يرى أن الأمر لن يكون سهلاً على الإطلاق، متوقعين ارتفاع أسعار السلع مباشرة عقب تطبيق الخطة، فالسلعة التي يبلغ سعرها ألف تومان اليوم، أي ما يعادل عشرة آلاف ريال بحسب الفئة النقدية المتاحة حالياً، ستصبح توماناً واحداً فقط في حال حذف الأصفار كلها.
وهو ما يعني ارتفاع أسعار كل السلع التي يقل سعرها عن هذا المبلغ، بحسب رأيهم، كما سيشعر بعض المواطنين بانخفاض رواتبهم كثيراً، في حال حذف الأصفار، وهو الأمر الذي سيعتادون عليه مع مرور الوقت، بحسب الخبراء، الذين يرون أنه لا جدوى حقيقية من موضوع من هذا النوع في الوقت الراهن، باستثناء توقعات بوجود تبعات نفسية ستسهل التعاملات المالية بين المواطنين، إذا لم تطبق الحكومة الفكرة بشكل عملي ولم تحذف أكثر من صفر واحد.