مئات من السيارات في طابور الانتظار، أجواء مشحونة، تجار لا يعلمون كيف يمكن أن يكون غدهم إذا تواصل غلق المعبر الحدودي برأس الجدير على الحدود الليبية، هكذا بدت أوضاع مدينة بن قردان التونسية التي أعلن أهلها الدخول في إضراب عام بداية من أمس الأول، إلى حين إيجاد حل مع الجانب الليبي لإعادة فتح المعبر.
منذ أيام قررت السلطات الليبية الغلق الأحادي للمعبر الجمركي مجدداً بين تونس وليبيا مما تسبب في شلل شبه تام للحركة التجارية بين البلدين، ولا سيما مدينة بن قردان التي تمثل التجارة الحدودية أكثر من 90% من نشاطها الاقتصادي.
ولأن بن قردان تمثل العصب الحيوي في الحركة التجارية في الجنوب التونسي تسربت موجة الاحتجاجات إلى بقية المدن لتشمل بني خداش ومدنين ورمادة، حيث عبّر الأهالي عن غضبهم بغلق الطرقات وإحراق العجلات المطاطية، مطالبين الحكومة بإيجاد حلول مع السلطات الليبية والمشرفين على المعبر لإنهاء هذه الإشكالية نهائياً.
معاناة وأزمة
وأكد أنيس التوزني، وهو أحد المحتجين في بن قردان، أنها ليست المرة الأولى التي تغلق فيها السلطات الليبية المعبر، لافتاً إلى أن التجار في معاناة يومية مع جمارك الحدود وغالباً ما تتعرض سلعهم للمصادرة والحجز ومع ذلك لا حلّ أمامهم لضمان قوتهم سوى التبادل التجاري مع ليبيا، وفق تصريحه "لـ "العربي الجديد".
وأشار أنيس الذي يملك محلاً لبيع الهواتف الجوالة إلى أن إغلاق المعبر يعني الإحالة الآلية للعاملين في التجارة إلى البطالة القسرية، متهما الحكومة التونسية بالتقصير في التعاطي مع هذا الملف.
في السياق ذاته، قال ناصر الجامعي الذي يشتغل في تجارة المفروشات إنه لم يتمكن من التزود بالسلع منذ أكثر من 10 أيام مؤكداً على أن غلق المعبر فوّت عليه فرصاً مهمة، نظراً لارتفاع الطلب على المفروشات والأغطية بسبب موجة البرد.
ولا يخفي ناصر في حديثه لـ "العربي الجديد" غضبه من الحكومة الحالية والحكومات السابقة، معتبراً أن المسؤولين لا يضعون بن قردان وبقية مدن الجنوب في حساباتهم ومخططاتهم التنموية، بل يهرعون فقط لبيع الوهم والوعود الزائفة للأهالي مع كل أزمة.
ولا يختلف حال بقية التجار في بن قردان عن وضعية ناصر وأنيس، فحالة الغضب بدت عامة بعدما أغلقت المحال أبوابها في انتظار ما ستؤول إليه التطورات في المقبل من الأيام.
وعموماً تعتمد نسبة كبيرة من سكان ولاية مدنين ومجمل الجنوب الشرقي للبلاد على التجارة مع ليبيا، وهو ما يفسّر غياب أشكال أخرى للتنمية على غرار المناطق الصناعية أو غيرها من المشاريع القادرة على فتح آفاق تشغيلية أمام الأهالي.
تعويض الحرمان
وبحكم موقعه الاستراتيجي يساهم معبر رأس جدير في انتعاش تجارة البضائع والسلع وتهريب المحروقات والسجائر والذهب، وخدمات تبديل العملات بطريقة غير القانونية، في مدن الجنوب التونسي حيث تتراجع التنمية وترتفع البطالة.
كما يعد المعبر البوابة الرئيسية لحركة التنقل، حيث تشير بيانات الجمارك إلى أن أكثر من خمسة ملايين مسافر يعبرون سنويا ًفي الاتجاهين عبر هذه البوابة.
ويطالب الأهالي منذ بداية الاحتجاجات الخميس الماضي بالمرور الحر للبضائع أو فرض مبدأ المعاملة بالمثل مع الليبيين لإجبارهم على فتح المعبر، كما يطالب المحتجون بتسريع مشاريع التنمية وفتح المعبر الحدودي الذي يشكل رئة اقتصادية للمنطقة.
وتقول السلطات التونسية إن هناك صعوبة في التفاوض مع الأطراف الليبيين بسبب الفوضى السياسة السائدة في ليبيا.
وبالرغم من تكليف رئيس الحكومة لفريق وزاري وأعضاء من البرلمان للتنقل إلى الجهة وبحث حلول مع الجانب الليبي، إلا أن الوفد الليبي المفاوض الذي كان من المفترض أن يلتقي بالمسؤولين المحليين الجمعة تغيّب وهو خلّف حالة من الإحباط لدى الأهالي.
وفي تصريح لـ "العربي الجديد"، أكد المسؤول النقابي المحلي محسن لشيهب أن التجار يطالبون بتطبيق اتفاقية موقعة قبل عشرة أيام بين لجنتين تونسية وليبية تم بموجبها تحديد حجم وزنة البضائع المسموح بعبورها الحدود في الاتجاهين.
وأضاف المتحدث أن الليبيين لم يلزموا بالاتفاق، معتبراً أن الوضع السياسي في ليبيا يلقى بظلاله على تونس وهو ما يتطلب قرارات جريئة من الحكومة وإيجاد حلول جذرية للمنطقة، بما في ذلك التسريع في المنطقة التجارية الحرة التي وعدت بها.
وكانت حكومة الحبيب الصيد قد وعدت بإنشاء منطقة تجارية حرة في المنطقة باعتمادات تقدر بـ 165 مليون دينار (نحو 71 مليون دولار)، غير أن المشروع لم يتقدم بالشكل المطلوب وفق أهالي بن قردان.
وقال المدير العام لوحدة التصرف حسب الأهداف لإنجاز المنطقة الحرة التجارية واللوجستية ببن قردان بوزارة الصناعة والتجارة، الحبيب الأطرش، في حديث سابق لوكالة الأنباء الرسمية (وات)، أن الدراسات لإنجاز المنطقة الحرة تتقدم مؤكداً على أن المشروع سيوفر حوالي ألفي موطن شغل مباشر ونحو 8 آلاف شغل غير مباشر، لافتاً إلى أن نسبة البطالة في هذه المنطقة تقدر بأكثر من 18%.
وشدد المسؤول على أهمية المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، نظراً لخصوصية مدينة بن قردان التي تتميز بحركة تجارية نشيطة مع ليبيا، وارتفاع نسق المعاملات الاقتصادية بين البلدين عبر مختلف المعابر الحدودية المنظمة.
وتعرف مدينة بن قردان في السنوات الأخيرة عدم استقرار أمني، نظراً للوضع في ليبيا وتصاعد التهديدات الإرهابية علاوة على تكثف نشاط التهريب والتجارة الموازية المضرين بالنشاط الاقتصادي والتجاري المهيكل والمنظم في تونس.
كما تشهد هذه المدينة من حين لآخر توتراً اجتماعياً يتسم بالتحركات الاحتجاجية المطالبة بالتشغيل والتنمية.
مشكلات متوقعة
وفي السياق، علّق الخبير المختص في الشأن الليبي، غازي معلى، على ما سماه "مأزق معبر رأس الجدير" بأن الأمر كان متوقعاً في أي لحظة في ظل وضع سياسي متشعب ومعقد مع الجارة الجنوبية ليبيا، مشيراً إلى أن هذا الوضع خلف صعوبات كبيرة، من بينها صعوبة تحديد الطرف الحقيقي الذي يتحكّم في المعبر.
وقال معلى في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه كان الأجدر بالحكومة التونسية أن تبحث منذ مدة عن بدائل للتنمية في هذه الجهات لعدة اعتبارات، منها خلق تنمية مستدامة قائمة على مشاريع ذات قيمة مضافة في الجهة وتوفر للدولة مصادر جبائية منظمة ثم التقليص من الاقتصاد الموازي والتهريب الذي دمّر الاقتصاد التونسي.
وتوقّع الخبير أن يبقى مصير الحركة التجارية عبر معبر رأس الجدير مرتبطاً بالوضع السياسي في ليبيا، داعياً الحكومة إلى توجيه جزء من الوعود والتعهدات التي تحصلت عليها في منتدى الاستثمار 2020 في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى الجنوب التونسي الذي يعاني منذ عقود من تهميش كبير وضعف التنمية رغم الإمكانيات الكبيرة التي يزخر بها.
ونبّه معلى من تداعيات تواصل الاحتجاجات في الجنوب، مشيراً إلى أن التحركات يمكن أن
تكون مدخلا لأشياء عديدة، لافتاً إلى أن المهربين يستفيدون من كل أشكال الاحتقان الاجتماعي لتمرير سلعهم في غفلة من السلطات.
اقــرأ أيضاً
منذ أيام قررت السلطات الليبية الغلق الأحادي للمعبر الجمركي مجدداً بين تونس وليبيا مما تسبب في شلل شبه تام للحركة التجارية بين البلدين، ولا سيما مدينة بن قردان التي تمثل التجارة الحدودية أكثر من 90% من نشاطها الاقتصادي.
ولأن بن قردان تمثل العصب الحيوي في الحركة التجارية في الجنوب التونسي تسربت موجة الاحتجاجات إلى بقية المدن لتشمل بني خداش ومدنين ورمادة، حيث عبّر الأهالي عن غضبهم بغلق الطرقات وإحراق العجلات المطاطية، مطالبين الحكومة بإيجاد حلول مع السلطات الليبية والمشرفين على المعبر لإنهاء هذه الإشكالية نهائياً.
معاناة وأزمة
وأكد أنيس التوزني، وهو أحد المحتجين في بن قردان، أنها ليست المرة الأولى التي تغلق فيها السلطات الليبية المعبر، لافتاً إلى أن التجار في معاناة يومية مع جمارك الحدود وغالباً ما تتعرض سلعهم للمصادرة والحجز ومع ذلك لا حلّ أمامهم لضمان قوتهم سوى التبادل التجاري مع ليبيا، وفق تصريحه "لـ "العربي الجديد".
وأشار أنيس الذي يملك محلاً لبيع الهواتف الجوالة إلى أن إغلاق المعبر يعني الإحالة الآلية للعاملين في التجارة إلى البطالة القسرية، متهما الحكومة التونسية بالتقصير في التعاطي مع هذا الملف.
في السياق ذاته، قال ناصر الجامعي الذي يشتغل في تجارة المفروشات إنه لم يتمكن من التزود بالسلع منذ أكثر من 10 أيام مؤكداً على أن غلق المعبر فوّت عليه فرصاً مهمة، نظراً لارتفاع الطلب على المفروشات والأغطية بسبب موجة البرد.
ولا يخفي ناصر في حديثه لـ "العربي الجديد" غضبه من الحكومة الحالية والحكومات السابقة، معتبراً أن المسؤولين لا يضعون بن قردان وبقية مدن الجنوب في حساباتهم ومخططاتهم التنموية، بل يهرعون فقط لبيع الوهم والوعود الزائفة للأهالي مع كل أزمة.
ولا يختلف حال بقية التجار في بن قردان عن وضعية ناصر وأنيس، فحالة الغضب بدت عامة بعدما أغلقت المحال أبوابها في انتظار ما ستؤول إليه التطورات في المقبل من الأيام.
وعموماً تعتمد نسبة كبيرة من سكان ولاية مدنين ومجمل الجنوب الشرقي للبلاد على التجارة مع ليبيا، وهو ما يفسّر غياب أشكال أخرى للتنمية على غرار المناطق الصناعية أو غيرها من المشاريع القادرة على فتح آفاق تشغيلية أمام الأهالي.
تعويض الحرمان
وبحكم موقعه الاستراتيجي يساهم معبر رأس جدير في انتعاش تجارة البضائع والسلع وتهريب المحروقات والسجائر والذهب، وخدمات تبديل العملات بطريقة غير القانونية، في مدن الجنوب التونسي حيث تتراجع التنمية وترتفع البطالة.
كما يعد المعبر البوابة الرئيسية لحركة التنقل، حيث تشير بيانات الجمارك إلى أن أكثر من خمسة ملايين مسافر يعبرون سنويا ًفي الاتجاهين عبر هذه البوابة.
ويطالب الأهالي منذ بداية الاحتجاجات الخميس الماضي بالمرور الحر للبضائع أو فرض مبدأ المعاملة بالمثل مع الليبيين لإجبارهم على فتح المعبر، كما يطالب المحتجون بتسريع مشاريع التنمية وفتح المعبر الحدودي الذي يشكل رئة اقتصادية للمنطقة.
وتقول السلطات التونسية إن هناك صعوبة في التفاوض مع الأطراف الليبيين بسبب الفوضى السياسة السائدة في ليبيا.
وبالرغم من تكليف رئيس الحكومة لفريق وزاري وأعضاء من البرلمان للتنقل إلى الجهة وبحث حلول مع الجانب الليبي، إلا أن الوفد الليبي المفاوض الذي كان من المفترض أن يلتقي بالمسؤولين المحليين الجمعة تغيّب وهو خلّف حالة من الإحباط لدى الأهالي.
وفي تصريح لـ "العربي الجديد"، أكد المسؤول النقابي المحلي محسن لشيهب أن التجار يطالبون بتطبيق اتفاقية موقعة قبل عشرة أيام بين لجنتين تونسية وليبية تم بموجبها تحديد حجم وزنة البضائع المسموح بعبورها الحدود في الاتجاهين.
وأضاف المتحدث أن الليبيين لم يلزموا بالاتفاق، معتبراً أن الوضع السياسي في ليبيا يلقى بظلاله على تونس وهو ما يتطلب قرارات جريئة من الحكومة وإيجاد حلول جذرية للمنطقة، بما في ذلك التسريع في المنطقة التجارية الحرة التي وعدت بها.
وكانت حكومة الحبيب الصيد قد وعدت بإنشاء منطقة تجارية حرة في المنطقة باعتمادات تقدر بـ 165 مليون دينار (نحو 71 مليون دولار)، غير أن المشروع لم يتقدم بالشكل المطلوب وفق أهالي بن قردان.
وقال المدير العام لوحدة التصرف حسب الأهداف لإنجاز المنطقة الحرة التجارية واللوجستية ببن قردان بوزارة الصناعة والتجارة، الحبيب الأطرش، في حديث سابق لوكالة الأنباء الرسمية (وات)، أن الدراسات لإنجاز المنطقة الحرة تتقدم مؤكداً على أن المشروع سيوفر حوالي ألفي موطن شغل مباشر ونحو 8 آلاف شغل غير مباشر، لافتاً إلى أن نسبة البطالة في هذه المنطقة تقدر بأكثر من 18%.
وشدد المسؤول على أهمية المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، نظراً لخصوصية مدينة بن قردان التي تتميز بحركة تجارية نشيطة مع ليبيا، وارتفاع نسق المعاملات الاقتصادية بين البلدين عبر مختلف المعابر الحدودية المنظمة.
وتعرف مدينة بن قردان في السنوات الأخيرة عدم استقرار أمني، نظراً للوضع في ليبيا وتصاعد التهديدات الإرهابية علاوة على تكثف نشاط التهريب والتجارة الموازية المضرين بالنشاط الاقتصادي والتجاري المهيكل والمنظم في تونس.
كما تشهد هذه المدينة من حين لآخر توتراً اجتماعياً يتسم بالتحركات الاحتجاجية المطالبة بالتشغيل والتنمية.
مشكلات متوقعة
وفي السياق، علّق الخبير المختص في الشأن الليبي، غازي معلى، على ما سماه "مأزق معبر رأس الجدير" بأن الأمر كان متوقعاً في أي لحظة في ظل وضع سياسي متشعب ومعقد مع الجارة الجنوبية ليبيا، مشيراً إلى أن هذا الوضع خلف صعوبات كبيرة، من بينها صعوبة تحديد الطرف الحقيقي الذي يتحكّم في المعبر.
وقال معلى في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه كان الأجدر بالحكومة التونسية أن تبحث منذ مدة عن بدائل للتنمية في هذه الجهات لعدة اعتبارات، منها خلق تنمية مستدامة قائمة على مشاريع ذات قيمة مضافة في الجهة وتوفر للدولة مصادر جبائية منظمة ثم التقليص من الاقتصاد الموازي والتهريب الذي دمّر الاقتصاد التونسي.
وتوقّع الخبير أن يبقى مصير الحركة التجارية عبر معبر رأس الجدير مرتبطاً بالوضع السياسي في ليبيا، داعياً الحكومة إلى توجيه جزء من الوعود والتعهدات التي تحصلت عليها في منتدى الاستثمار 2020 في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى الجنوب التونسي الذي يعاني منذ عقود من تهميش كبير وضعف التنمية رغم الإمكانيات الكبيرة التي يزخر بها.
ونبّه معلى من تداعيات تواصل الاحتجاجات في الجنوب، مشيراً إلى أن التحركات يمكن أن
تكون مدخلا لأشياء عديدة، لافتاً إلى أن المهربين يستفيدون من كل أشكال الاحتقان الاجتماعي لتمرير سلعهم في غفلة من السلطات.