حولت الحكومة الجزائرية، بطريقة سريعة، دفة اهتماماتها من تشجيع الاستثمارات في الصناعة إلى القطاع الزراعي، خاصة في المناطق الجنوبية والهضاب العليا (وسط البلاد)، مع إتاحة فرص هائلة لصالح شركات أميركية للاستثمار في الثروة الخضراء.
وتدفقت استثمارات أميركية على القطاع الزراعي الجزائري، مؤخرا، وسط تساؤلات مراقبين بشأن حجم الحوافز والتسهيلات التي وفّرتها الحكومة لصالح هذه الشركات، في ظل غياب بنود الاتفاق الخاصة بهذه المشروعات.
أول المشاريع الاستثمارية في مجال الزراعة للأميركيين سيكون بمحافظة "البيض" (جنوب غربي الجزائر)، وهو المشروع الذي أثار كثيرا من تساؤلات المراقبين، نتيجة السرعة والغموض اللذين لفّا عملية إسناده للشركة الأميركية "إيه أي إيه جي".
ويتضمن هذا المشروع إنشاء أول مزرعة أميركية حديثة في الجزائر مختصّة في تربية الثروة الحيوانية، من المتوقع أن يصل إنتاجها إلى 20 ألف بقرة حلوب، وزراعة البطاطا والقمح والذرة على مساحة 18 ألف هكتار، عبر استغلال سد مائي بقدرة 120 مليون متر مكعب. وقالت الحكومة إن قيمة هذا المشروع تقترب من 100 مليون دولار، على أن تقام مشاريع أخرى في محافظات الجنوب الجزائري بقيمة مليار دولار.
وقال رئيس مجلس الأعمال الجزائري الأميركي، إسماعيل شيخون، إن المشروع يسير وفق ما سُطر له، حيث وضعت أدوات الري، مطلع الشهر الجاري، في الأراضي الممنوحة للشركة الأميركية، والتي من المنتظر أن تُنتج 22 ألف طن من البطاطا و900 طن من الذرة في المرحلة الأولى، على أن يدخل المشروع في المرحلة الثانية بحلول سبتمبر/أيلول 2018 بزراعة الطماطم والقمح الصلب والشعير.
وأضاف شيخون لـ "العربي الجديد"، أن المشروع يمتد على طول سبع سنوات بدءا من 2016، تستغل فيها 18525 هكتارا من الأراضي، منها 720 هكتارا هذه السنة، وفق الاتفاق الذي أبرم بين مجمع "لاشب" الجزائر والشركة الأميركية "إيه أي إيه جي".
وكشف نفس المصدر أن الاستثمار الزراعي الثاني للأميركيين سيكون في محافظة أدرار (جنوب الجزائر) على مساحة 25 ألف هكتار يخصص لإنتاج الحليب وتربية الأبقار وزراعة الذرة والصويا، باستثمارات تتراوح بين 250 و300 مليون دولار، وقد تم توقيع الاتفاق بشأن هذا المشروع خلال يناير/كانون الثاني الماضي.
وبالرغم من التوضيحات التي قدمها مجلس الأعمال الجزائري الأميركي، إلا أن الخبراء لا يزالون يشكّون في الأرقام المقدمة، وسط تواصل رفض الجهات الرسمية توفير أية تفاصيل.
وحسب الخبير الاقتصادي فرحات علي، الذي قام بعمل استقصائي حول هذه المشاريع، فإن "هذه الاستثمارات هي مجرد قوقعة فارغة". ويقول علي، لـ "العربي الجديد" إن الطرف الأميركي (AIAG) لا يملك خبرة في الزراعة الصحراوية، كما أنه لا يملك القدرات لترجمة مشاريع بهذه الضخامة لأنها مجرد شركة ذات مسؤولية محدودة، حسب القانون الأميركي، ما يعني أن رأس مالها لا يسمح لها بتمويل المشاريع.
ومن الجانب التقني، يرى الخبير الجزائري أن مشروعي "البيض" و"ادرار" سيستهلكان كميات كبيرة من المياه سنويا، من دون ضمان للنتائج، قائلا: "حتى تنتج 190 مليون لتر من الحليب و20 ألف طن من اللحم نحتاج قرابة 20 ألف بقرة و100 ألف عجل، تستهلك قرابة 770 مليون متر مكعب من المياه لكل مشروع، أي 1.4 مليار متر مكعب من المياه".
ولفت نفس المتحدث إلى أن طرق تمويل المشاريع لا تزال غير معلومة، كما لم يتم الكشف بعد عن حصة كل طرف، وما إن كانت الحكومة ستدعم هذه المشاريع التي ظهرت فجأة من دون سابق إشعار، وفق رأيه.
وخلف الإعلان عن هذه المشاريع الاستثمارية الزراعية الأميركية في الجزائر والطريقة التي جاءت بها، تساؤلات الخبراء حول إمكانية انتهاج الدولة سياسة زراعية جديدة ترتكز أساسا على إقامة مشاريع كبرى في الجنوب بالشراكة مع متعاملين أجانب، على الطريقة الأميركية أو غيرها، ومدى ملاءمتها للنموذج الزراعي الجزائري.
ويرى الخبير الزراعي عيسى منصور أن هناك اختلافات كثيرة توجد بين الزراعة على الطريقة الجزائرية وتلك المستوردة، خاصة في مجال إنتاج الحبوب. وأوضح الخبير، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "إنتاج الحبوب في الجزائر يعتمد على الأمطار، وعليه يتعذّر تسجيل إنتاج وفير، حيث يتم تخصيص سنويا 3.5 ملايين هكتار لأجل إنتاج الحبوب، منها 240 ألف هكتار فقط تُسقى بالري المنتظم، ولم يتم بذل الجهود الكافية لأجل توسيع هذه المساحات برغم التطمينات التي تعطى مع كل موسم جديد".
وأضاف أن إقامة المشاريع الزراعية الكبرى في الجنوب، تتطلب الاستعمال المفرط للمياه، نظرا لعوامل المناخ والتربة، ما يحمل سلبيات على الموارد المائية الجوفية، كما يتم استعمال واسع للأسمدة من جراء فقر التربة وكذا المواد الكيماوية لحماية المزروعات.
ولفت الخبير الزراعي الجزائري إلى أن هاجس الربح يحتم على الأميركيين والجزائريين مجابهة التكاليف الباهظة باستعمال البذور المعدلة جينيا، مشيرا إلى أن إنشاء المشروعات الزراعية الكبرى عبر تغيير النمط الزراعي في الدولة يهدد باستنزاف الموارد المائية الجوفية.
اقــرأ أيضاً
وتدفقت استثمارات أميركية على القطاع الزراعي الجزائري، مؤخرا، وسط تساؤلات مراقبين بشأن حجم الحوافز والتسهيلات التي وفّرتها الحكومة لصالح هذه الشركات، في ظل غياب بنود الاتفاق الخاصة بهذه المشروعات.
أول المشاريع الاستثمارية في مجال الزراعة للأميركيين سيكون بمحافظة "البيض" (جنوب غربي الجزائر)، وهو المشروع الذي أثار كثيرا من تساؤلات المراقبين، نتيجة السرعة والغموض اللذين لفّا عملية إسناده للشركة الأميركية "إيه أي إيه جي".
ويتضمن هذا المشروع إنشاء أول مزرعة أميركية حديثة في الجزائر مختصّة في تربية الثروة الحيوانية، من المتوقع أن يصل إنتاجها إلى 20 ألف بقرة حلوب، وزراعة البطاطا والقمح والذرة على مساحة 18 ألف هكتار، عبر استغلال سد مائي بقدرة 120 مليون متر مكعب. وقالت الحكومة إن قيمة هذا المشروع تقترب من 100 مليون دولار، على أن تقام مشاريع أخرى في محافظات الجنوب الجزائري بقيمة مليار دولار.
وقال رئيس مجلس الأعمال الجزائري الأميركي، إسماعيل شيخون، إن المشروع يسير وفق ما سُطر له، حيث وضعت أدوات الري، مطلع الشهر الجاري، في الأراضي الممنوحة للشركة الأميركية، والتي من المنتظر أن تُنتج 22 ألف طن من البطاطا و900 طن من الذرة في المرحلة الأولى، على أن يدخل المشروع في المرحلة الثانية بحلول سبتمبر/أيلول 2018 بزراعة الطماطم والقمح الصلب والشعير.
وأضاف شيخون لـ "العربي الجديد"، أن المشروع يمتد على طول سبع سنوات بدءا من 2016، تستغل فيها 18525 هكتارا من الأراضي، منها 720 هكتارا هذه السنة، وفق الاتفاق الذي أبرم بين مجمع "لاشب" الجزائر والشركة الأميركية "إيه أي إيه جي".
وكشف نفس المصدر أن الاستثمار الزراعي الثاني للأميركيين سيكون في محافظة أدرار (جنوب الجزائر) على مساحة 25 ألف هكتار يخصص لإنتاج الحليب وتربية الأبقار وزراعة الذرة والصويا، باستثمارات تتراوح بين 250 و300 مليون دولار، وقد تم توقيع الاتفاق بشأن هذا المشروع خلال يناير/كانون الثاني الماضي.
وبالرغم من التوضيحات التي قدمها مجلس الأعمال الجزائري الأميركي، إلا أن الخبراء لا يزالون يشكّون في الأرقام المقدمة، وسط تواصل رفض الجهات الرسمية توفير أية تفاصيل.
وحسب الخبير الاقتصادي فرحات علي، الذي قام بعمل استقصائي حول هذه المشاريع، فإن "هذه الاستثمارات هي مجرد قوقعة فارغة". ويقول علي، لـ "العربي الجديد" إن الطرف الأميركي (AIAG) لا يملك خبرة في الزراعة الصحراوية، كما أنه لا يملك القدرات لترجمة مشاريع بهذه الضخامة لأنها مجرد شركة ذات مسؤولية محدودة، حسب القانون الأميركي، ما يعني أن رأس مالها لا يسمح لها بتمويل المشاريع.
ومن الجانب التقني، يرى الخبير الجزائري أن مشروعي "البيض" و"ادرار" سيستهلكان كميات كبيرة من المياه سنويا، من دون ضمان للنتائج، قائلا: "حتى تنتج 190 مليون لتر من الحليب و20 ألف طن من اللحم نحتاج قرابة 20 ألف بقرة و100 ألف عجل، تستهلك قرابة 770 مليون متر مكعب من المياه لكل مشروع، أي 1.4 مليار متر مكعب من المياه".
ولفت نفس المتحدث إلى أن طرق تمويل المشاريع لا تزال غير معلومة، كما لم يتم الكشف بعد عن حصة كل طرف، وما إن كانت الحكومة ستدعم هذه المشاريع التي ظهرت فجأة من دون سابق إشعار، وفق رأيه.
وخلف الإعلان عن هذه المشاريع الاستثمارية الزراعية الأميركية في الجزائر والطريقة التي جاءت بها، تساؤلات الخبراء حول إمكانية انتهاج الدولة سياسة زراعية جديدة ترتكز أساسا على إقامة مشاريع كبرى في الجنوب بالشراكة مع متعاملين أجانب، على الطريقة الأميركية أو غيرها، ومدى ملاءمتها للنموذج الزراعي الجزائري.
ويرى الخبير الزراعي عيسى منصور أن هناك اختلافات كثيرة توجد بين الزراعة على الطريقة الجزائرية وتلك المستوردة، خاصة في مجال إنتاج الحبوب. وأوضح الخبير، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "إنتاج الحبوب في الجزائر يعتمد على الأمطار، وعليه يتعذّر تسجيل إنتاج وفير، حيث يتم تخصيص سنويا 3.5 ملايين هكتار لأجل إنتاج الحبوب، منها 240 ألف هكتار فقط تُسقى بالري المنتظم، ولم يتم بذل الجهود الكافية لأجل توسيع هذه المساحات برغم التطمينات التي تعطى مع كل موسم جديد".
وأضاف أن إقامة المشاريع الزراعية الكبرى في الجنوب، تتطلب الاستعمال المفرط للمياه، نظرا لعوامل المناخ والتربة، ما يحمل سلبيات على الموارد المائية الجوفية، كما يتم استعمال واسع للأسمدة من جراء فقر التربة وكذا المواد الكيماوية لحماية المزروعات.
ولفت الخبير الزراعي الجزائري إلى أن هاجس الربح يحتم على الأميركيين والجزائريين مجابهة التكاليف الباهظة باستعمال البذور المعدلة جينيا، مشيرا إلى أن إنشاء المشروعات الزراعية الكبرى عبر تغيير النمط الزراعي في الدولة يهدد باستنزاف الموارد المائية الجوفية.