تبدو فكرة شراء شقة في عمارة سكنية قيد الإنشاء مشروعاً مربحا لملايين العائلات في روسيا من الوهلة الأولى، لأن حجز الوحدات بالمراحل المبكرة من البناء يتيح توفير ملايين الروبلات أو عشرات آلاف الدولارات، مقارنة بالشراء في عمارة تم تسليمها.
لكن في الواقع، فإن هذا الطريق محفوف بالمخاطر نظراً لوجود احتمال تأخر الشركة في تسليم الوحدة وحتى تعثرها، وهو أمر يتسبب للمشترين في خسائر تفوق أضعاف المبالغ المراد توفيرها من خلال خوض مثل هذه المغامرة.
وعلى الرغم من تشديد الحكومة الروسية مراقبتها على قطاع البناء في السنوات الماضية، إلا أن مثل هذه الحالات ليست نادرة، حيث ازدادت حالات تعثر شركات البناء، بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها روسيا منذ أكثر من عامين على ضوء تهاوي أسعار النفط والعقوبات الغربية، ما ينذر بأزمة إسكان حقيقية.
وتشير بيانات حديثة صادرة عن "وكالة التصنيف لقطاع البناء" في روسيا، إلى إفلاس 1600 شركة بناء في النصف الأول من العام الجاري 2016، بزيادة قدرها الضعف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وخلال عام 2015 بأكمله، تركت نحو 2700 شركة السوق، وذلك بزيادة قدرها 5 أضعاف مقارنة بعام 2014.
وأوضحت الوكالة أن أغلب الشركات المتعثرة كانت صغيرة، محذرة في الوقت نفسه من تكرار الظاهرة مع شركات متوسطة وكبرى ما لم تتكيف مع الظروف الجديدة في السوق.
ولم ترحم الأزمة الراهنة بعض اللاعبين الكبار في سوق البناء، وفي مقدمتهم مجموعة شركات "سو-155"، التي كانت تنفذ مشاريع في عشرات المدن الروسية قبل أن تتعثر في عام 2015 بعد تفاقم ديونها لدى المصارف.
وأدى تعثر "سو-155" إلى توقف أعمال بناء نحو 150 عمارة سكنية، ما هدد مستقبل آلاف العائلات، التي اشترت شققاً فيها.
وبعد استحواذ مصرف "رأس المال الروسي" على الشركة المتعثرة واستئناف أعمال البناء، بدأ المشترون باستلام شققهم بشكل تدريجي، ولكن مثل هذا الحل لا يتوفر دائما في حال إفلاس شركات أصغر.
وفي غياب إحصاءات دقيقة، تقدر رئيسة منظمة "القوة في الحركة"، المعنية بالدفاع عن حقوق ضحايا الاحتيال، آنا كرينداتش، عدد العائلات التي استثمرت مدخراتها في مشاريع متعثرة بنحو مليون عائلة أو 3 ملايين فرد.
وتقول كرينداتش، في حديث لـ"العربي الجديد": "في الواقع، يشارك المشترون للوحدات قيد الإنشاء بأموالهم في بزنس ويمولون شركات البناء من دون فوائد، ويتقاسمون المخاطر معا مقابل التوهم بامتلاكهم سكناً".
وتضيف: "عندما تدرك الشركة أنها لن تستطيع الاستمرار في المشروع، فإجراء الإفلاس هو الطريقة القانونية الوحيدة للتخلص من المسؤولية والالتزامات عن عقود لم يتم تنفيذها والديون التي تبلغ مئات ملايين الدولارات في بعض الأحيان".
وحول كيفية التصرف في حال تعرض المشتري لعملية نصب، تضيف كرينداتش: "يجب العمل على مسارين بالتوازي، أحدهما إثارة ضجة عن طريق تنظيم احتجاجات وتظاهرات والإضراب عن الطعام والترويج لمثل هذه الفعاليات إعلاميا، والثاني هو التعامل القانوني مع القضية. يؤدي هذا التكتيك إلى انتصارات واستلام السكن المدفوعة قيمته في نهاية المطاف".
التهديد بالتشرد
وحسب رئيسة منظمة "القوة في الحركة"، المعنية بالدفاع عن حقوق ضحايا الاحتيال : "المشترون الذين تعرضوا للنصب يدفعون أقساط القروض عن أمتار وهمية، وهم مهددون بالتشريد، ويتعيّن على الحكومة حظر مشاركة الأفراد في مشاريع البناء قيد الإنشاء، وعلى شركات البناء بيع الشقق الجاهزة فقط. سيزيد ذلك من التزامها المالي وجودة البناء".
ولا توقف المخاطر المشترين عن شراء الوحدات في مراحل مبكرة من البناء، أو حتى قبل بدئه طمعا في الحصول على وحدات ذات مساحات أكبر مقابل أسعار أقل من تلك للشقق الجاهزة.
السيدة غالينا، واحدة من هؤلاء، إذ قررت في عام 2014 استثمار 3 ملايين روبل من مدخراتها (أكثر من 50 ألف دولار وفقا لسعر الصرف السائد آنذاك) لشراء شقة صغيرة في المجمع السكني "تساريتسينو" في موسكو.
وكان هذا السعر يعتبر أقل بنسبة تزيد عن الثلث مقارنة بشقة مماثلة في عمارة جاهزة، ولكن مواجهة شركة البناء مشكلات مالية، أدت إلى توقف فعلي لأعمال البناء.
وتقول غالينا لـ"العربي الجديد": "حجزنا الشقة في مرحلة قبل بدء بناء العمارة، وكان من المقرر تسليمها في نهاية عام 2015، ولكن أعمال البناء توقفت بعد إنشاء بضعة طوابق".
ونظرا لتوفر سكن بديل، تعتبر ظروف غالينا وأسرتها أفضل من كثير من جيرانها، إذ باعت إحدى جاراتها وزوجها شقتهما لتحسين ظروف السكن بعد إنجاب 3 أبناء، ولكن هذه العائلة المكونة من 5 أفراد مضطرة الآن للعيش في شقة صغيرة تضم غرفة واحدة فقط مع تلاشي الآمال في استلام شقتهم في الأفق المنظور.
وعلى الرغم من ذلك، يعد وضع مشتري الشقق في "تساريتسينو" أفضل من غيرهم، إذ إن نطاق المشروع المكون من 26 عمارة سكنية استدعى تدخل الدولة لحل المشكلة، ما يبشر باستكمال المشروع في السنوات المقبلة ولو بعد تأخير كبير.
وتزيد القيمة الإجمالية للاستثمارات في "تساريتسينو" عن 52 مليار روبل (حوالي 800 مليون دولار)، منها 37.7 مليار روبل (حوالي 600 مليون دولار) من أموال الأفراد.
وحسب سماسرة عقارات روس " يعتبر قطاع العقارات من أكثر القطاعات تضرراً جراء الأزمة الاقتصادية في روسيا.
وأدى انهيار قيمة العملة المحلية من 33 روبلا للدولار عند بدء تراجع أسعار النفط في منتصف عام 2014، إلى أكثر من 60 روبلاً حالياً، إلى فقدان عقارات موسكو نحو 50% من قيمتها الفعلية بالدولار، التي سجلت تراجعا من 5200 دولار للمتر المربع في نهاية عام 2013 إلى نحو 2700 دولار في الوقت الحالي".
ومن العوامل التي أدت إلى انهيار سوق العقارات في موسكو، ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه قبل الأزمة في ظل تدفق "الدولارات النفطية" وتحول هذه السوق إلى "فقاعة" بما لم يكن يعكس الوضع الفعلي للاقتصاد الروسي حسب مكاتب عقارية، ليؤدي تهاوي أسعار النفط إلى انخفاض كبير للقوة الشرائية لدى المواطن الروسي، لا سيما بعد ارتفاع معدلات التضخم للسلع الاستهلاكية إلى أرقام قياسية لتبلغ نسبته 12.9% في العام الماضي.
كما أدى قرار رفع سعر الفائدة الأساسية في نهاية عام 2014 إلى ارتفاع أسعار الفائدة على قروض الرهن العقاري، ما جعلها خارج متناول أغلب العائلات الروسية.
يذكر أن أسعار العقارات في موسكو بدأت في الارتفاع في العقد الأول من القرن الـ21 مدفوعة بزيادة أسعار موارد الطاقة وتحول العاصمة الروسية إلى مركز اقتصادي عالمي، بعد أن أصبحت وكأنها "شركة نفط وغاز كبرى".
ورغم أن الأسعار تراجعت بصورة ملحوظة أثناء الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009، إلا أنها سرعان ما عادت إلى الارتفاع. لكن الأزمة الاقتصادية الحالية بدأت، بإعادة السوق إلى وضع يعكس مؤشرات الاقتصاد الروسي بشيء من الواقعية، حيث تأزم اقتصاد موسكو بعدد من المتغيرات المحلية والعالمية خلال الفترة الماضية وفي مقدمتها العقوبات الغربية بسبب أزمة أوكرانيا وتهاوي أسعار النفط العالمية.
اقــرأ أيضاً
وعلى الرغم من تشديد الحكومة الروسية مراقبتها على قطاع البناء في السنوات الماضية، إلا أن مثل هذه الحالات ليست نادرة، حيث ازدادت حالات تعثر شركات البناء، بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها روسيا منذ أكثر من عامين على ضوء تهاوي أسعار النفط والعقوبات الغربية، ما ينذر بأزمة إسكان حقيقية.
وتشير بيانات حديثة صادرة عن "وكالة التصنيف لقطاع البناء" في روسيا، إلى إفلاس 1600 شركة بناء في النصف الأول من العام الجاري 2016، بزيادة قدرها الضعف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وخلال عام 2015 بأكمله، تركت نحو 2700 شركة السوق، وذلك بزيادة قدرها 5 أضعاف مقارنة بعام 2014.
وأوضحت الوكالة أن أغلب الشركات المتعثرة كانت صغيرة، محذرة في الوقت نفسه من تكرار الظاهرة مع شركات متوسطة وكبرى ما لم تتكيف مع الظروف الجديدة في السوق.
ولم ترحم الأزمة الراهنة بعض اللاعبين الكبار في سوق البناء، وفي مقدمتهم مجموعة شركات "سو-155"، التي كانت تنفذ مشاريع في عشرات المدن الروسية قبل أن تتعثر في عام 2015 بعد تفاقم ديونها لدى المصارف.
وأدى تعثر "سو-155" إلى توقف أعمال بناء نحو 150 عمارة سكنية، ما هدد مستقبل آلاف العائلات، التي اشترت شققاً فيها.
وبعد استحواذ مصرف "رأس المال الروسي" على الشركة المتعثرة واستئناف أعمال البناء، بدأ المشترون باستلام شققهم بشكل تدريجي، ولكن مثل هذا الحل لا يتوفر دائما في حال إفلاس شركات أصغر.
وفي غياب إحصاءات دقيقة، تقدر رئيسة منظمة "القوة في الحركة"، المعنية بالدفاع عن حقوق ضحايا الاحتيال، آنا كرينداتش، عدد العائلات التي استثمرت مدخراتها في مشاريع متعثرة بنحو مليون عائلة أو 3 ملايين فرد.
وتقول كرينداتش، في حديث لـ"العربي الجديد": "في الواقع، يشارك المشترون للوحدات قيد الإنشاء بأموالهم في بزنس ويمولون شركات البناء من دون فوائد، ويتقاسمون المخاطر معا مقابل التوهم بامتلاكهم سكناً".
وتضيف: "عندما تدرك الشركة أنها لن تستطيع الاستمرار في المشروع، فإجراء الإفلاس هو الطريقة القانونية الوحيدة للتخلص من المسؤولية والالتزامات عن عقود لم يتم تنفيذها والديون التي تبلغ مئات ملايين الدولارات في بعض الأحيان".
وحول كيفية التصرف في حال تعرض المشتري لعملية نصب، تضيف كرينداتش: "يجب العمل على مسارين بالتوازي، أحدهما إثارة ضجة عن طريق تنظيم احتجاجات وتظاهرات والإضراب عن الطعام والترويج لمثل هذه الفعاليات إعلاميا، والثاني هو التعامل القانوني مع القضية. يؤدي هذا التكتيك إلى انتصارات واستلام السكن المدفوعة قيمته في نهاية المطاف".
التهديد بالتشرد
وحسب رئيسة منظمة "القوة في الحركة"، المعنية بالدفاع عن حقوق ضحايا الاحتيال : "المشترون الذين تعرضوا للنصب يدفعون أقساط القروض عن أمتار وهمية، وهم مهددون بالتشريد، ويتعيّن على الحكومة حظر مشاركة الأفراد في مشاريع البناء قيد الإنشاء، وعلى شركات البناء بيع الشقق الجاهزة فقط. سيزيد ذلك من التزامها المالي وجودة البناء".
ولا توقف المخاطر المشترين عن شراء الوحدات في مراحل مبكرة من البناء، أو حتى قبل بدئه طمعا في الحصول على وحدات ذات مساحات أكبر مقابل أسعار أقل من تلك للشقق الجاهزة.
السيدة غالينا، واحدة من هؤلاء، إذ قررت في عام 2014 استثمار 3 ملايين روبل من مدخراتها (أكثر من 50 ألف دولار وفقا لسعر الصرف السائد آنذاك) لشراء شقة صغيرة في المجمع السكني "تساريتسينو" في موسكو.
وكان هذا السعر يعتبر أقل بنسبة تزيد عن الثلث مقارنة بشقة مماثلة في عمارة جاهزة، ولكن مواجهة شركة البناء مشكلات مالية، أدت إلى توقف فعلي لأعمال البناء.
وتقول غالينا لـ"العربي الجديد": "حجزنا الشقة في مرحلة قبل بدء بناء العمارة، وكان من المقرر تسليمها في نهاية عام 2015، ولكن أعمال البناء توقفت بعد إنشاء بضعة طوابق".
ونظرا لتوفر سكن بديل، تعتبر ظروف غالينا وأسرتها أفضل من كثير من جيرانها، إذ باعت إحدى جاراتها وزوجها شقتهما لتحسين ظروف السكن بعد إنجاب 3 أبناء، ولكن هذه العائلة المكونة من 5 أفراد مضطرة الآن للعيش في شقة صغيرة تضم غرفة واحدة فقط مع تلاشي الآمال في استلام شقتهم في الأفق المنظور.
وعلى الرغم من ذلك، يعد وضع مشتري الشقق في "تساريتسينو" أفضل من غيرهم، إذ إن نطاق المشروع المكون من 26 عمارة سكنية استدعى تدخل الدولة لحل المشكلة، ما يبشر باستكمال المشروع في السنوات المقبلة ولو بعد تأخير كبير.
وتزيد القيمة الإجمالية للاستثمارات في "تساريتسينو" عن 52 مليار روبل (حوالي 800 مليون دولار)، منها 37.7 مليار روبل (حوالي 600 مليون دولار) من أموال الأفراد.
وحسب سماسرة عقارات روس " يعتبر قطاع العقارات من أكثر القطاعات تضرراً جراء الأزمة الاقتصادية في روسيا.
وأدى انهيار قيمة العملة المحلية من 33 روبلا للدولار عند بدء تراجع أسعار النفط في منتصف عام 2014، إلى أكثر من 60 روبلاً حالياً، إلى فقدان عقارات موسكو نحو 50% من قيمتها الفعلية بالدولار، التي سجلت تراجعا من 5200 دولار للمتر المربع في نهاية عام 2013 إلى نحو 2700 دولار في الوقت الحالي".
ومن العوامل التي أدت إلى انهيار سوق العقارات في موسكو، ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه قبل الأزمة في ظل تدفق "الدولارات النفطية" وتحول هذه السوق إلى "فقاعة" بما لم يكن يعكس الوضع الفعلي للاقتصاد الروسي حسب مكاتب عقارية، ليؤدي تهاوي أسعار النفط إلى انخفاض كبير للقوة الشرائية لدى المواطن الروسي، لا سيما بعد ارتفاع معدلات التضخم للسلع الاستهلاكية إلى أرقام قياسية لتبلغ نسبته 12.9% في العام الماضي.
كما أدى قرار رفع سعر الفائدة الأساسية في نهاية عام 2014 إلى ارتفاع أسعار الفائدة على قروض الرهن العقاري، ما جعلها خارج متناول أغلب العائلات الروسية.
يذكر أن أسعار العقارات في موسكو بدأت في الارتفاع في العقد الأول من القرن الـ21 مدفوعة بزيادة أسعار موارد الطاقة وتحول العاصمة الروسية إلى مركز اقتصادي عالمي، بعد أن أصبحت وكأنها "شركة نفط وغاز كبرى".
ورغم أن الأسعار تراجعت بصورة ملحوظة أثناء الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009، إلا أنها سرعان ما عادت إلى الارتفاع. لكن الأزمة الاقتصادية الحالية بدأت، بإعادة السوق إلى وضع يعكس مؤشرات الاقتصاد الروسي بشيء من الواقعية، حيث تأزم اقتصاد موسكو بعدد من المتغيرات المحلية والعالمية خلال الفترة الماضية وفي مقدمتها العقوبات الغربية بسبب أزمة أوكرانيا وتهاوي أسعار النفط العالمية.
انخفاض المشتريات في الخارج
قال تقرير صادر عن شركة "ترانيو" الروسية لتسويق العقارات في الخارج، إن مجموع التحويلات من روسيا لسداد قيمة العقارات في الخارج تراجع بنسبة 30% خلال الفترة من الربع الأول من عام 2015 إلى الربع الأول من عام 2016، أي من 281 مليون دولار إلى 199 مليون دولار.
وحسب البنك المركزي الروسي، فإن إنفاق اثرياء الروس على شراء العقارات في الخارج انخفض بمقدار 3 أضعاف تقريباً، منذ بدء تهاوي أسعار النفط في عام 2014.