قالت مصادر مطلعة إن المصارف قطعت خطوط الائتمان التي تمول شحنات السلع الغذائية لليمن، إذ تحولت الموانئ إلى ساحات للمعارك، ويواجه النظام المالي بالبلاد شبح التوقف التام، فيما تخنق الإمدادات البلد الفقير، الذي قد يواجه مجاعة.
ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادر مصرفية وتجارية، اليوم السبت، أن "المصارف تعزف بشكل متزايد عن تقديم خطابات الائتمان، التي تضمن سداد المشتري الثمن للبائع في الوقت المحدد، للشحنات إلى البلد، الذي يعاني من حرب بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي التي استولت على السلطة في سبتمبر/أيلول 2014.
وكان "العربي الجديد" قد نقل يوم 21 فبراير/شباط الماضي عن مصادر في البنك المركزي اليمني، أنه: "لا تتوفر أية مبالغ بالدولار الأميركي، بغرض تغطية قيمة فاتورة الاستيراد"، مشيرة إلى وجود أزمة خانقة في النقد الأجنبي منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويستورد اليمن أكثر من 90% من غذائه، بما في ذلك الجانب الأكبر من حاجاته من القمح وكل احتياجاته من الأرز لتلبية متطلبات سكانه البالغ عددهم نحو 25 مليون نسمة.
وتراجع احتياطي اليمن من النقد الأجنبي إلى نحو ملياري دولار في يناير/كانون الثاني الماضي، مقابل 4.2 مليارات دولار في فبراير/شباط 2015، وتتضمن الاحتياطات وديعة بقيمة مليار دولار قدمتها السعودية لليمن في عام 2012.
وقال مصدر في تجارة السلع الأولية العالمية له نشاط في اليمن: "المصارف العالمية الغربية لم تعد تشعر بالارتياح لمعالجة المدفوعات ولم تعد مستعدة لقبول المجازفة".
وأضاف المصدر: "معنى ذلك أن التجار أصبحوا مقيدين بمخاطر أكبر، وعليهم أن يضمنوا فعليا الشحنات كاملة وعادة ما تصل قيمتها لملايين الدولارات؛ وذلك قبل احتمال حصولهم على المال. العوائق تتزايد الآن أمام جلب السلع إلى اليمن".
وغالبا ما يكون التجار، الذين يشترون الغذاء لليمن، من الشركات الصغيرة والخاصة التي تتخذ من اليمن أو المنطقة المحيطة به مقرا لها وتشتري البضائع من السوق العالمية، ونقلت "رويترز" عن مصادر، طلبت عدم الكشف عن اسمها لأسباب أمنية، أن: "الوضع تدهور سريعا الشهر الماضي، بعدما أوقف البنك المركزي اليمني تزويد التجار المحليين بعملات أسعار صرف ملائمة لشراء السكر والأرز من الأسواق العالمية؛ وهو ما زاد العوائق أمام شراء الغذاء الذي يشكل جانبا كبيرا من واردات البلاد".
ويهدف قرار البنك اقتصار توفير خطوط الائتمان على القمح والأدوية إلى دعم الاحتياطيات.
وقالت المصادر إن: "الصعوبات المالية هي أحد العوامل وراء انخفاض الشحنات المتجهة إلى اليمن".
وأظهرت بيانات للأمم المتحدة أن نحو 77 سفينة رست في موانئ باليمن في يناير/كانون الثاني الماضي، مقارنة مع حوالي 100 في مارس/آذار الماضي عندما تصاعدت الحرب الأهلية، ومقارنة مع مئات السفن التي كانت تصل شهريا في السنوات السابقة.
اقرأ أيضاً: اليمن يعجز عن تدبير سيولة لاستيراد السكر والأرز
وقد تكون التداعيات خطيرة على اليمن، أفقر دول شبه الجزيرة العربية، الذي تقول الأمم المتحدة إنه على حافة الكارثة وبأن 21 مليونا من سكانه، البالغ عددهم 26 مليون نسمة، في حاجة لمساعدات إنسانية وأكثر من نصف السكان يعانون من سوء التغذية.
ويعاني اليمن، وهو منتج صغير للنفط، ضائقة مالية بسبب الحرب وتوقف إنتاج وتصدير النفط، وتوقف الإيرادات الجمركية، وتفاقمت المشكلة مع استنزاف جماعة الحوثيين المسلحة لما تبقى من موارد البلاد وتسخيرها للمجهود الحربي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض وتراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي للبلاد.
وقال محمد الشميري، المسؤول بشركة تكرير السكر الوحيدة في اليمن والواقعة في مدينة الحديدة الشمالية على البحر الأحمر إن: "عملية جلب الشحنات للبلاد كانت معقدة حتى قبل القيود التي فرضها البنك المركزي".
وأضاف: "لا بد أن تكون على اتصال دائم بشركات الشحن وتطمئنهم أن كل شيء على ما يرام، بل وترسل صورا أحيانا للمكان ليعرفوا أنه بأمان".
وهوى الريال اليمني خلال الأيام الماضية إلى أدنى مستوياته مقابل الدولار في السوق السوداء، إذ بلغ لأول مرة 280 ريالاً للدولار، في حين توقعت مصادر أن يبلغ 300 بنهاية الشهر الجاري.
وقال مصرفي أوروبي إن: "بعض المصارف قررت الانسحاب بالكامل من تقديم خطوط الائتمان لتجارة الغذاء إلى اليمن.. حتى إذا كان بنك يرغب في إتمام إجراءات السداد لصفقة تتعلق بالغذاء فعليه أن يتوخى الحذر".
وبحسب المصادر، فإن: "المصارف التي كانت مشاركة في تجارة المواد الغذائية في اليمن بينها كومرتس بنك ودويتشه بنك واتش.اس.بي.سي بالاضافة إلى بنوك إقليمية في الشرق الأوسط، قررت إيقاف تقديم خطوط الائتمان لتجارة الغذاء باليمن".
وتشعر المصارف اليمنية المحلية بالضغوط، وقال عيدروس محمد المسؤول بالبنك الأهلي اليمني التابع للدولة إن: "المصرف توقف منذ نهاية العام الماضي عن فتح خطابات الاعتماد للسلع عموما لأن البنوك الخارجية توقفت عن التعامل معنا".
من جهته يقول واثق علي أحمد مدير أحد المتاجر في صنعاء إن: "خطوة البنك المركزي سيشعر بها رجل الشارع العادي في اليمن".
وأضاف: "الأسعار ترتفع بالفعل بسبب الحرب والزيادة في تكلفة تأمين السلع.. ستكون الآثار الكاملة لذلك القرار محسوسة مستقبلا.. ولحسن الحظ أنه ما زال لدينا بعض المخزونات".
وقد يسبب تباطؤ الواردات وارتفاع الأسعار مشكلات كبيرة لليمن، حيث تواجه بعض المناطق خطر المجاعة.
وقال تقرير لوكالة تابعة للأمم المتحدة في يناير/كانون الثاني إن اليمن يفتقر إلى أمطار موسمية كافية، كما أن المناطق المزروعة محدودة هناك، وتواجه الدولة ارتفاعا في تكاليف الإمدادات الزراعية.
وأصبحت الموانئ الرئيسية في اليمن نقاطا مشتعلة في القتال ومنها ميناء عدن الجنوبي، وتعاني عدن من العنف منذ أن انتزع الرئيس الشرعي، عبد ربه منصور هادي السيطرة عليها من قوات الحوثيين في يوليو/تموز 2015، ويشن التحالف العربي، الذي تقوده السعودية ضربات جوية أيضا قرب ميناء الحديدة.
اقرأ أيضاً:
الريال اليمني يتهاوى مجدداً أمام الدولار
المساعدات ترفع واردات اليمن من القمح والغذاء