من انحسار النمو وتقويض حجم التجارة، إلى الإضرار بشركات الشحن، وإيذاء المحاصيل الزراعية الأميركية والقطاعات الصناعية المحلية، والموجات المتتالية لتسريح آلاف العمال وبالتالي مفاقمة أزمة البطالة، حاول موقع "بزنس إنسايدر" الأميركي المختص بالشؤون المالية والاقتصادية، رصد الجوانب السلبية لسياسات الرئيس الأميركية على اقتصاد بلاده.
فبعد 8 أشهر من انطلاق حملات الحرب التجارية التي يشنّها ترامب، بدأت آثار تدابيره بالظهور على أرض الواقع في جميع أنحاء العالم.
النمو الاقتصادي سيخسر 1%
لكن الولايات المتحدة، التي تدور رحى الحرب التجارية لحمايتها، كما هو مُعلن، تبدو وكأنها ستكون الأكثر تضرراً منها، إذ يشير بعض المتنبئين إلى أن النمو الاقتصادي قد يخسر ما يصل إلى 1% خلال السنوات المقبلة.
وعلى نطاق أصغر، بدأت الشركات والصناعات بأكملها تشعر، فعلاً، بضرر من التعرفات الجمركية الأميركية، التي رفعت فاتورة إرسال مجموعة كاملة من السلع إلى الولايات المتحدة، ما أدى إلى زيادة تكاليف الشركات ذاتها التي يقول ترامب إن هدفه من زيادة الرسوم هو حماية منتجاتها.
تقلص التجارة وأرباح شركات الشحن
لقد كانت "ميرسك"، وهي أكبر شركة شحن في العالم، واضحة بشكل خاص حيال التهديدات التي تفرضها التعرفات المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين.
ففي إعلان نتائج الربع الثالث في وقت سابق من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أفادت الشركة الدنماركية العملاقة بأن التجارة العالمية بدأت تشعر فعلاً بتأثير الرسوم الجديدة.
واستمرّت تجارة الحاويات العالمية في فقدان الزخم خلال الربع الثالث، وعانت من "وتيرة نمو أبطأ بكثير" هذا العام، حيث سجلت زيادة نسبتها 4.2% فقط نزولاً من 5.8% مقارنة بالربع الثالث من عام 2017، وفقاً لبيانات "ميرسك".
وقد تؤدّي التعرفات التجارية في نهاية المطاف إلى تراجع حركة شحن الحاويات العالمية بنسبة تصل إلى 2% خلال العامين المقبلين، إذ تُقدّر الشركة أن هذه التعرفات تشكل نحو 2.6% من قيمة البضائع المتداولة عالمياً.
وتحذير "ميرسك" لم يكن الأول من نوعه تجاه الحرب التجارية، إذ إن الرئيس التنفيذي للشركة، سورين سكو، كان قد قال في أغسطس/ آب الماضي، قبل أن تصل رسوم ترامب إلى مجموعة من السلع الاستهلاكية، إن تداعيات التعرفات "يمكن أن ينتهي الأمر بها بسهولة إلى أن تصبح أكبر في الولايات المتحدة".
المزارعون يتركون محاصيلهم تتعفّن
ربما يكون من بين أكثر نتائج الحرب التجارية إثارة للانتباه، ما يحدث لبعض المزارعين في الولايات المتحدة.
فبالنسبة للعديد من السلع الزراعية، خاصة فول الصويا، تُعد الصين أكبر سوق لصادرات المزارعين الأميركيين. وهذا الواقع بدأ يتغيّر بفضل رسوم ترامب، لأن المستوردين الصينيين باتوا يبحثون عن مصدر آخر للحصول على إمدادات أرخص.
في العام الماضي، استحوذت الصين على نحو 60% من صادرات فول الصويا الأميركية، لكن تراجع الطلب هذا العام يُضطّر العديد من المزارعين إلى التخلّي عن محاصيلهم وتركها لقدرها كي تتعفّن.
وكالة "رويترز" كانت قد أوردت الأسبوع الماضي، أن المزارعين في بعض الولايات الأميركية، وجدوا أنفسهم مضطرين لحرث محاصيلهم، ودفنها فعلياً تحت تربة الحقول، إذ لا توجد لديهم مساحة كافية لتخزينها في مرافق التخزين، كما أنهم عاجزون عن بيع منتجاتهم بسبب التعرفات الصينية المضادة لرسوم ترامب.
وتكاد تكون جميع مستودعات الحبوب والصوامع ممتلئة، وهذا يعني أن على المزارعين العثور على حلول تخزين لمنتجاتهم أو السماح لمحاصيلهم بالتعفن.
في لويزيانا، مثلاً، دُفن نحو 15% من محصول فول الصويا هذا العام، أو تضرر كثيراً بحيث لا يمكن بيعه، وفقاً لبيانات أخضعها للتحليل موظفون في جامعة ولاية لويزيانا واستشهدت بها "رويترز".
المصانع تعاني وصغارها مهدّدة بالإفلاس
في تبريره حربه التجارية، يُرجع ترامب السبب الرئيسي إلى إعادة تنشيط الصناعة الأميركية، التي يقول إنها تأثرت بعقود من الإنتاج الأرخص في آسيا، وخصوصاً الصين. ومع ذلك، تشير العلامات الأولية إلى أن رسوم الرئيس تفعل العكس وتلحق أضراراً بالمصنعين.
فقد تباطأ نشاط الصناعات التحويلية في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياته في 6 أشهر خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فيما تعزو البيانات الصناعية أسباب التباطؤ الرئيسي إلى الحمائية المستقبلية وعدم اليقين على نطاق واسع.
هذا الشهر، كتب كبير الاقتصاديين في "بانثيون ماكروإيكونوميكس"، إيان شيفردسون، يقول: "بالنسبة للمستهلك، لا تزال التعرفات في معظمها فكرة مجردة، لكن بالنسبة للمصنعين فهي حقيقية، وتُعدّ مشكلة كبيرة".
أما "مجموعة "آي.إس.إم" ISM التجارية التي تضم مديري شراء تنفيذيين، فقد أعلنت أن مؤشرها لنشاط المصانع الوطنية انخفض 2.1 نقطة مئوية إلى 57.7 في أكتوبر/ تشرين الأول قياساً بالشهر السابق. وعزت هذا الانخفاض، أساساً، إلى عدم اليقين المرتبط بالتعرفات، وفقاً للمشاركين في استطلاع أجرته المجموعة.
أحد المشمولين بالمسح لاحظ "تزايد الضغط بسبب التعرفات المعلقة"، بما يدعم تحليلاً أجرته مجموعة "يو.بي.إس" السويسرية المصرفية العملاقة، وقالت فيه إن العديد من المصنّعين الجدد والأصغر حجماً قد ينتهي بهم الأمر إلى الاضطرار لإعلان الإفلاس.
كبير الاقتصاديين في "يو.بي.إس"، سيث كاربنتر، قال في وقت سابق من هذا الشهر، إن "الشركات الجديدة المعروفة لديها هوامش رديئة للغاية ونقص في القدرة على تحمّل التكاليف"، مضيفاً: "تميل صدمات التكلفة الصغيرة إلى التسبب باضطرابات كبيرة بالنسبة للشركات الجديدة. ونحن نرى بعض هذه الشركات الجديدة تفشل".
تسريح موظفين وتأجيج البطالة
وألقى كثير من الشركات الصغيرة باللائمة على الحرب التجارية، باعتبار أنها كانت سبباً في تسريح العمال هذا العام.
على سبيل المثال، تقول شركة "إليمنت إلكترونيكس" Element Electronics، وهي شركة مصنّعة للتلفزيونات، إنها تخطط لصرف 127 عاملاً من مصنعها في كارولينا الجنوبية "كنتيجة للتعرفة الجديدة التي فُرضت أخيراً بطريقة مفاجئة على العديد من السلع المستوردة من الصين".
العمالقة يدفعون الثمن أيضاً... صرف وتخفيض أجور
ولا يقتصر دفع ثمن قرارات ترامب على الشركات المتوسطة والصغيرة، بل يتعداها إلى شركات عملاقة أيضاً، إذ أعلنت شركة "جنرال موتورز"، الإثنين الماضي، خططاً لإغلاق محطات في الولايات المتحدة وتسريح نحو 14 ألف موظف، بعدما حذرت من أن رسوم ترامب قد تجبرها على ذلك.
الشركة التي توظف نحو 110 آلاف عامل، قالت إنها تخطط لخفض التكاليف عن طريق إغلاق المصانع في أوهايو وميشيغان وأماكن أخرى في أميركا الشمالية.
لكن الشركة لم تذكر التعرفات الجمركية كسبب على وجه التحديد، واكتفت بتبرير الخطوة بأنها تأتي نتيجة "لتغيّر ظروف السوق وتفضيلات العملاء".
لكن في وقت سابق من هذا العام، خفضت "جنرال موتورز" توقعات أرباحها لعام 2018، وسط ارتفاع أسعار الصلب والألومنيوم بسبب التعرفات الأميركية الجديدة.
وفي يونيو/ حزيران، حذّرت "جنرال موتورز" من أن التعرفات التجارية يمكن أن تؤدي إلى فقدان الوظائف وتخفيض الأجور، قائلة لوزارة التجارة إن زيادة رسوم واردات الصلب ستؤثر على قدرتها التنافسية في سوق السيارات.