تأتي تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لوكالة "بلومبيرغ" يوم الجمعة، لتؤكد وجود أزمة قرار سياسي داخل المملكة في ما يتعلق بخطته المتعثرة لبيع 5% من أسهم "أرامكو"، مع إصراره على أن الطرح العام الأولي سيتم أواخر 2020 أو مطلع 2021، وأنّ قيمة الشركة المملوكة للدولة تبلغ تريليوني دولار أو أكثر، مع أنه اعتبر في الوقت ذاته أن "المستثمر هو الذي سيقرر السعر".
إصرار بن سلمان على أن الطرح سيمضي قُدماً، يأتي معاكساً لرياح رغبة والده الملك سلمان الذي دخل على خط مشاريع نجله "الطموح"، لتكشف "رويترز" أواخر أغسطس/آب المنصرم، نقلا ًعن ثلاثة مصادر، أن طرح "أرامكو" تأجل بأمر من الملك مباشرة، بعدما كان ينتظر ابنه أن يصبح إدراج أسهم الشركة في البورصة الركيزة الأساسية في برنامج الإصلاح الاقتصادي الموعود، لأنه كان يتوقع أن تبلغ حصيلته 100 مليار دولار، بما يمثل أكبر طرح عام أولي من نوعه على الإطلاق.
لم يكن قرار الملك غير المُعلن آنذاك فردياً، بل جاء ليعكس تياراً داخلياً سعودياً يرى في طموحات ولي العهد مخاطر على الأمن الاقتصادي للمملكة وتداعيات على مستقبلها وسيادتها. إلا أن أجهزة الاستخبارات كانت بانتظار كل من يعارض برنامج بن سلمان، الذي كان أصلاً قد اعتقل مئات رجال الأعمال وأفراد العائلة المالكة لمجرد أنهم يعترضون على محاولته الاستحواذ على القرار السياسي رغم "يفاعته" والإمساك بمفاصل "بزنس" المملكة واقتصادها من دون منافس أو منازع.
ملاحقة من يفضح المخاطر
وقد بدأ تعارض التوجهات حيال طرح "أرامكو" في الداخل السعودي ينعكس تدابير أمنية وقضائية بحق كل معارض يتحدث عن مخاطر هذا المشروع أو غيره من البرامج والمشاريع التي تتضمنها رؤية ولي العهد.
وفي هذا الإطار كان في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، توجيه النائب العام اتهامات لرجل بالانتماء إلى "تنظيم إرهابي" ولقاء دبلوماسيين أجانب سراً والتحريض على القيام باحتجاجات، فيما قال نشطاء إن هذا الشخص اقتصادي بارز انتقد في الماضي خطط طرح أسهم "أرامكو".
وقيل إن المتهم هو عصام الزامل المحتجز منذ سبتمبر/أيلول 2017 إلى جانب عشرات من المثقفين ورجال الدين في حملة على المعارضين المحتملين لولي العهد، علماً أن الزامل قال في سلسلة تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي قبل احتجازه، إن تقدير قيمة "أرامكو" بتريليوني دولار سيتطلب من السلطات ضم الاحتياطيات النفطية إلى الشركة في عملية البيع، وفقاً لـ"رويترز".
تعديل في خطة طرح "أرامكو"
في مقابلته مع "بلومبيرغ" يوم الجمعة، كشف بن سلمان تبدّلاً في آلية التعامل مع الملف، قائلاً إن الحكومة ستحتفظ بأسهم "أرامكو" بعد الطرح العام الأولي، ولن تحولها إلى صندوق الثروة السيادية كما كان مخططاً في الأصل.
وورد في تقرير "بلومبيرغ" أن صندوق الاستثمارات العامة سيحصل 70 مليارا من بيع حصته في عملاق البتروكيماويات السعودي "سابك"، إضافة إلى 100 مليار دولار تأمل البلاد بجمعها من طرح "أرامكو"، وأن بن سلمان قدّم جدولاً زمنياً لخطته، قائلاً إنه بعد اكتمال الاتفاق مع "سابك" عام 2019، ستحتاج الشركة إلى عام مالي كامل قبل أن تتمكن من المضي قُدماً لبيع الأسهم إلى الجمهور.
أزمة تمويل... ومخاطر اجتماعية
تأخير طرح أسهم من "أرامكو" للاكتتاب سوف يعني أن هدف بن سلمان تنويع الموارد المالية لاقتصاد السعودية يبقى عصيّاً في المدى المنظور. وسبق لوكالة التصنيف الائتماني "موديز" مطلع سبتمبر/أيلول الماضي أن أشارت إلى هذا التحدي فور إعلان تأجيل هذه الخطوة.
"موديز" لفتت في حينه إلى أن تأخير إدراج "أرامكو" يُرجّح أن التقدم باستراتيجية الخصخصة الأوسع نطاقاً سيكون تدريجياً، فضلاً عن أن التأخير يدل على الحاجة إلى تمويل الاقتصاد بزيادة إصدارات ديون القطاع العام.
في السياق، دخل صندوق الاستثمارات العامة (السيادي) في 17 سبتمبر/أيلول الفائت، دوّامة الاقتراض للمرة الأولى، بجمعه قرضاً دولياً بقيمة 11 مليار دولار، في إشارة إلى عمق الأزمة المالية التي تكابدها المملكة وتضطرها إلى الاقتراض من الخارج.
تعقيدات الخصخصة وطرح "أرامكو" لا تقتصر تداعياته على الجوانب المالية والاقتصادية، إذ إن له بُعداً اجتماعياً خطيراً. هذه الزاوية تناولتها "بلومبيرغ" في 20 سبتمبر/أيلول، بإشارتها إلى أن برامج الخصخصة تُنذر بتداعيات سياسية لمخالفتها العقد الاجتماعي القائم أصلاً على التوظيف في القطاع العام، ومن ذلك ما يتعلق ببيع حُصص في الموانئ والسكك الحديدية والمرافق والمطارات.
وكان لافتاً تحذير التقرير من أن "التوظيف في القطاع العام هو حجر أساس في العقد الاجتماعي السعودي، وسيكون من الصعب سياسياً أن تباشر الكيانات المخصخصة فجأة بالتخلص من العمال"، في بلد متورّط بتمويل حروب بمئات مليارات الدولارات، لا سيما في اليمن، وكشفت وزارة ماليته أن دينه العام قفز أكثر من 1200% خلال 4 سنوات فقط، مع توقع زيادة الديون ومفاقمة العجز المالي بوتيرة أكثر تسارعاً.
فمن المنتظر أن يصل الدين العام المستحق بنهاية العام الجاري، إلى 154 مليار دولار تقريباً، على أن يرتفع إلى قرابة 181 مليار دولار بنهاية عام 2019، ما يعني ازدياده بنسبة 18% خلال سنة واحدة.
في السياق، دخل صندوق الاستثمارات العامة (السيادي) في 17 سبتمبر/أيلول الفائت، دوّامة الاقتراض للمرة الأولى، بجمعه قرضاً دولياً بقيمة 11 مليار دولار، في إشارة إلى عمق الأزمة المالية التي تكابدها المملكة وتضطرها إلى الاقتراض من الخارج.
تعقيدات الخصخصة وطرح "أرامكو" لا تقتصر تداعياته على الجوانب المالية والاقتصادية، إذ إن له بُعداً اجتماعياً خطيراً. هذه الزاوية تناولتها "بلومبيرغ" في 20 سبتمبر/أيلول، بإشارتها إلى أن برامج الخصخصة تُنذر بتداعيات سياسية لمخالفتها العقد الاجتماعي القائم أصلاً على التوظيف في القطاع العام، ومن ذلك ما يتعلق ببيع حُصص في الموانئ والسكك الحديدية والمرافق والمطارات.
وكان لافتاً تحذير التقرير من أن "التوظيف في القطاع العام هو حجر أساس في العقد الاجتماعي السعودي، وسيكون من الصعب سياسياً أن تباشر الكيانات المخصخصة فجأة بالتخلص من العمال"، في بلد متورّط بتمويل حروب بمئات مليارات الدولارات، لا سيما في اليمن، وكشفت وزارة ماليته أن دينه العام قفز أكثر من 1200% خلال 4 سنوات فقط، مع توقع زيادة الديون ومفاقمة العجز المالي بوتيرة أكثر تسارعاً.
فمن المنتظر أن يصل الدين العام المستحق بنهاية العام الجاري، إلى 154 مليار دولار تقريباً، على أن يرتفع إلى قرابة 181 مليار دولار بنهاية عام 2019، ما يعني ازدياده بنسبة 18% خلال سنة واحدة.