ثارت مخاوف في تركيا على مستقبل استثماراتها في السودان ومصير الاتفاقات الاقتصادية الموقعة بين البلدين، وسط تواصل الاضطرابات السياسية وتواصل الحراك الشعبي، منذ إطاحة الرئيس السابق عمر البشير في الحادي عشر من إبريل/ نيسان الماضي. ولا يتوافر رقم رسمي حول استثمارات تركيا الحالية في السودان، وإن كانت تقديرات غير رسمية تقدرها بمئات الملايين من الدولارات.
ووصل صدى المخاوف إلى البرلمان التركي، عبر تساؤلات طرحها أخيراً، النائب عن حزب الشعب المعارض، إلهامي أوزجان أيغون، والذي ركز خلال خطابه للمجلس، على محاولة التعرف على مصير اتفاقية استئجار الأراضي الزراعية التي وقعتها بلاده مع السودان في ظل التطورات الأخيرة بين المجلس العسكري الانتقالي والمعارضة.
وتنص الاتفاقية التي وقعتها حكومة البلدين في عام 2014 على استئجار تركيا أراضي زراعية في السودان بمساحة 780 ألف هكتار ولمدة 99 سنة في ست مناطق مختلفة، وأن تستثمر شركات تركية خاصة في هذه الأراضي.
اتفاقات ومشروعات
يعتبر عام 2017 الأهم في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إذ تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات أهمها اتفاقية تسليم إدارة جزيرة سواكن السودانية الواقعة في البحر الأحمر إلى تركيا للاستثمار فيها، بالإضافة إلى ضخ رؤوس أموال تركية ضخمة في عدة مشاريع أبرزها عقد تطوير مطار الخرطوم الذي وقعته شركة "سوما" التركية مع الحكومة السودانية، بقيمة 1.1 مليار يورو، بعد فوز الشركة التركية بالمناقصة.
وفي سبتمبر/ أيلول 2018، أعلنت وزارة الزراعة والغابات التركية، توقيع اتفاق مع الخرطوم بقيمة 100 مليون دولار للتنقيب عن النفط في السودان، وذلك بالتزامن مع افتتاح بنك الزراعة التركي فرعاً له في الخرطوم لتعزيز العلاقات المالية بين البلدين.
وتزايد التعاون بين البلدين خلال العامين الأخيرين، بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخرطوم بصحبة 200 رجل أعمال تركي في ديسمبر/ كانون الأول 2017 والتوقيع على 12 اتفاقاً للتعاون في المجالات العسكرية والاقتصادية والزراعية، إضافة للاتفاق على إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي بهدف تعزيز الروابط الاقتصادية بينهما.
وانتقلت الاستثمارات التركية في السودان، من مشروعات صغيرة لا تتعدى قطاعات الغزل والنسيج ومصانع مواد البناء مثل الطوب الإسمنتي، إلى مشروعات زراعية وخدمية وصناعية منها إنشاء مصنع غزل ونسيج تركي بقيمة 100 مليون دولار. كما توصل السودان مع مستثمرين أتراك، إلى اتفاق يقضي بإنشاء منتجعات سياحية، بولاية البحر الأحمر شرقي البلاد.
وجاءت زيارة نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي خلال الفترة من 19 إلى 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بصحبة وزراء الزراعة والتجارة والغابات، لتكمل ما وضعه أردوغان خلال زيارته، إذ ترأس أوقطاي الدورة الخامسة عشرة للجنة الاقتصادية المشتركة بين تركيا والسودان، وتابع بحث جدول أعمال المجلس الاستراتيجي رفيع المستوى.
وأعلن وزير الزراعة والغابات التركي، بكر باكدميرلي، وقتها أنهم يخططون لفتح الأراضي الزراعية التي جرى استئجارها في السودان لمدة 99 عاماً أمام رجال الأعمال الأتراك اعتباراً من العام 2019.
ترقب تركي
وفي الوقت الذي يتوقع فيه بعض المحللين الأتراك مواجهة الاستثمارات التركية في السودان مصاعب خلال الفترة المقبلة خاصة مع إصرار النظام الحالي في السودان على السيطرة على الحكم، يرى آخرون أن هذه الاستثمارات لن تواجه أي عقبات، في ظل توقعات بانحياز النظامين التركي والسوداني لمصلحة الشعوب وفصل السياسة عن الاقتصاد.
ويذهب طرف ثالث إلى أن الحكم على الاستثمارات والعلاقات التركية السودانية، مرتبط بمآلات التطور على الأرض داخل السودان ومدى قدرة الحراك على فرض إرادته والإطاحة بالانقلاب العسكري وإعطاء أولوية لجذب الاستثمارات الخارجية بما ينعكس إيجاباً على المواطن.
وأكد خبراء اقتصاد أتراك لـ"العربي الجديد" أن الحكم على الاستثمارات التركية في السودان ومتابعة المشاريع أو تجميدها أو حتى إلغاء الاتفاقات، مرتبط بشكل الحكم بالسودان، خاصة مع بدء تدخل من يرونهم "معادين لتركيا" كدولتي الإمارات والسعودية، عبر التدخل في رسم سياسة الخرطوم ودعمها بالأموال كما أعلنت جريدة نيويورك تايمز الأميركية قبل أيام.
ويقول المحلل التركي، أوزجان أونيصال لـ"العربي الجديد" لو نظرنا إلى طبيعة الاستثمارات التركية بالسودان، لرأيناها إنمائية تتعلق بالاستثمارات الطبية والزراعية والخدمية، وجميعها تصب في صالح التنمية والشعب السوداني.
ويضيف أونيصال، ربما تتأذى بعض الاستثمارات كجزيرة سواكن السودانية "التي يستهدف تحويلها إلى مركز سياحي إقليمي، بالإضافة إلى مشروعات التنقيب فيها عن النفط والثروات الطبيعية، نظراً للحساسية التي رأيناها من بعض الدول العربية، بعد توقيع اتفاق إدارة الجزيرة".
وأضاف أن الحكم على مصير الاستثمارات التركية ما زال يدخل في خانة التكهنات، إذ لا موقف سلبياً من المجلس العسكري بالخرطوم تجاه أنقرة الآن، والترقب والانتظار حالياً هما سيدا الموقف.
عرقلة التعاون
عوّلت الحكومة التركية ورساميل خاصة على السودان الذي يعتبر من أخصب وأكبر الأراضي الزراعية العربية، وكان السعي لتطوير حجم التبادل الذي لا يزيد العام، وفق معهد الإحصاء التركي، عن صادرات تركية بقيمة 360.8 مليون دولار وواردات بقيمة 73.1 مليون دولار.
وحسب المحلل التركي سمير صالحة لـ"العربي الجديد"، استهدفت الحكومة التركية تعزيز العلاقات الاقتصادية عبر وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا)، بيد أن ما تمخض عن ثورة السودان بالإطاحة بنظام البشير، أرجأ أو جمّد تلك المساعي.
وأضاف صالحة، أن هناك عوامل إقليمية ودولية تدخل على خط التطورات في السودان، وربما يحدث طارئ يدفع بالكثير من الأمور نحو مسار آخر أكثر تعقيداً أو حلحلة مفاجئة.
وأكد صالحة، أن تركيا تسعى منذ سنوات إلى تعزيز علاقاتها مع القارة السمراء عموماً، ولكن لجهة السودان أكثر، مضيفاً: "لا أحد يعرف تماماً كيف ستكون عملية التغيير والانتقال بالسلطة من مرحلة إلى أخرى، لكن المقلق هو تزايد سيناريوهات واحتمالات التدخلات الخارجية في الملف".
وكانت وزارة الخارجية التركية، قد دعت في الرابع من يونيو/ حزيران الجاري، إلى إنجاز العملية الانتقالية في السودان بشكل يتسق مع الإرادة الشعبية وتشكيل حكومة مدنية في أقرب وقت ممكن.
وأضاف بيان الخارجية التركية أن تجنب استخدام العنف ومواصلة المفاوضات على أساس التوافق الوطني ضروريٌ جداً لحماية أمن البلاد واستقرارها، مؤكداً أن تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب السودان والشعب السوداني الشقيق.
ويشهد السودان أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة لم تتوقف طوال الفترات الأخيرة. ويعاني الشارع من مشاكل نقص الخبز والوقود والسيولة المالية، لتعود الصفوف الطويلة أمام المخابز ومحطات البنزين والصرافات الآلية في مشهد متكرر منذ أكثر من عام ونصف، وأدى إلى تأجيج التظاهرات التي عجلت بإطاحة المجلس العسكري للبشير في إبريل/ نيسان الماضي، إلا أن الأزمات تواصلت في ظل عجز المسؤولين عن إيجاد حلول جذرية لهذه الأزمات، رغم المساعدات المالية التي ضختها كل من الإمارات والسعودية.