زادت نشرة طرح شركة أرامكو السعودية، من ريبة المستثمرين، حيال الاكتتاب في أسهم أكبر شركة نفط في العالم، حيث لم تتضمن أي ضمانات للمستثمرين، الذين يتوقع أن يضخوا مليارات الدولارات، وإنما عززت الشكوك حول شفافية حكومة المملكة في إدارة الشركة وتوزيع أرباحها، فضلا عن بروز العديد من المخاطر، التي يمكن أن يتعرض لها المستثمرون، جراء هشاشة وضع الشركة في مواجهة الهجمات أو الملاحقات القضائية الدولية بتهمة الاحتكار.
وبينما كان المستثمرون ينتظرون الإجابة على العديد من التساؤلات المتعلقة بتقييم الشركة، والحصة التي سيتم طرحها في السوق السعودية، جاءت نشرة الطرح التي جرى الكشف عنها في وقت متأخر من مساء السبت، خالية من أي تفاصيل حول حجم ما سيتم طرحه أو قيمة السهم.
بل كشفت النشرة الواقعة في أكثر من 650 صفحة، عن مخاطر رئيسية، تتصدرها عمليات الإنتاج، التي قد تتأثر بأسعار النفط العالمية والعرض والطلب على الخام والتطورات الاقتصادية والجيوسياسية، التي قد تؤثر على التجارة العالمية، فضلا عن تأثير تغيّر المناخ على الطلب على النفط والغاز وأسعارهما.
ولفتت النشرة إلى أن الحكومة السعودية تحدد سقف إنتاج المملكة من النفط، ومالية الدولة مرتبطة ارتباطا وثيقا بصناعة النفط والغاز، وقد تتأثر عمليات أرامكو بقرارات تتعلق بمستويات الإنتاج تتخذها المملكة بصفتها عضواً في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، أو بقرارات دول منتجة أخرى.
وذكرت نشرة الطرح، أن الحكومة السعودية قد تكلف أرامكو بالقيام بمشاريع أو تقديم المساعدة في مبادرات خارج نشاطها الأساسي، كما قد يتأثر مركز أرامكو المالي سلباً إذا ألغت المملكة ربط عملتها الريال بالدولار.
وتتضمن المخاطر أيضا، التأمين على أرامكو، حيث لا يغطي التأمين جميع المخاطر، وقد لا يحميها في مواجهة الالتزامات الناجمة عن أحداث محتملة مثل التسربات النفطية الكبيرة والكوارث البيئية والهجمات الإرهابية أو أعمال الحرب.
وأرامكو أكبر منتج للنفط في العالم، إذ تضخ 10 في المائة من المعروض العالمي، وهي أيضا الأعلى ربحية في العالم. وتسبب تراجع أسعار النفط في انخفاض صافي ربح الشركة للنصف الأول من العام الجاري بنسبة 12 بالمائة إلى 46.9 مليار دولار.
كانت منشآت رئيسية لأرامكو قد تعرضت لهجمات غير مسبوقة في 14 سبتمبر/أيلول الماضي، أوقفت مؤقتا نحو نصف إنتاج الشركة، بواقع 5.7 ملايين برميل يومياً، بما يتجاوز 5 في المائة من المعروض النفطي العالمي.
ووفق نشرة الطرح، فإن الشركة تتبرأ من أي تبعات قد تنجم عن تعرّضها لأضرار ناجمة عن مقاضاتها بالاحتكار، لافتة إلى أنه سبق أن واجهت أرامكو دعاوى قضائية كبيرة، بما في ذلك مزاعم بانتهاك قوانين مكافحة الاحتكار، ترتبط جزئيا بعضوية المملكة في أوبك.
وذكرت أنه "أُسقطت دعاوى الاحتكار المرتبطة بعضوية أوبك، بفضل الحماية التي يسبغها القانون الأميركي على الأعمال السيادية، لكن لا يوجد ما يضمن نجاح الشركة في الاحتماء بتلك الدفوع في المستقبل".
كما تضمنت المخاطر عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاضطرابات والصراعات المسلحة الفعلية والمحتملة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومناطق أخرى، بما قد يؤثر على عمليات أرامكو ومركزها المالي، لافتة إلى أن الإرهاب والصراعات المسلحة قد يؤثران تأثيرا جوهرياً وعكسياً على سعر أسهمها في السوق.
ومن المتوقع أن يكون الطرح العام الأولي هو الأضخم في البورصة المحلية، التي حدّثت منصتها لاستيعاب حجم التداول الضخم بشكل استثنائي، لكن التغييرات على آليات التداول وإجراءاته لم تخضع للاختبار ولا توجد ضمانات بأن تسهل الإدراج على نحو ملائم، وفق نشرة الطرح.
كما لن يحتفظ المكتتبون الأجانب غير المؤهلين بالملكية القانونية لأسهم الطرح، ولن يتمكنوا من التصويت عن الأسهم التي يتمتعون فيها بمنافع اقتصادية، فضلا عن أن جميع مشتريات الأسهم ومبيعاتها على البورصة المحلية ستكون مقوّمة بالعملة المحلية، ولا توجد ضمانات لقدرة المستثمرين الأجانب على تدبير الريال بالمبالغ الضرورية لشراء حجم الأسهم التي يرغبون في شرائها أو مبادلتها.
وستظل الحكومة السعودية تحتفظ بحصة مسيطرة بعد الطرح الأولي، وستكون قادرة على فرض السيطرة في المسائل التي تتطلب موافقة المساهمين، وسيكون لها حق النقض في ما يتعلق بأي إجراء لحملة الأسهم أو موافقة تستلزم أغلبية تصويتية، كما بوسع أرامكو تغيير سياسة توزيعات أرباحها من دون إخطار مسبق لمساهمي الأقلية، بحسب ما تضمنته نشرة الطرح.
وبينما لم تفصح نشرة الطرح عن النسبة الإجمالية المخصصة للاكتتاب في السوق السعودية شاملة حصة المؤسسات، اكتفت بالإشارة إلى أن الشركة ستبيع 0.5 في المائة من أسهمها إلى المستثمرين الأفراد.
ومن المقرر أن يبدأ الطرح للمستثمرين من المؤسسات في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري وينتهي في الرابع من ديسمبر/كانون الأول المقبل، في حين سيكون بوسع المستثمرين الأفراد الاكتتاب في الأسهم من 17 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 28 منه، حسبما ذكرت النشرة.
وأعرب محللون ماليون عن قلقهم البالغ حيال عملية الطرح، خاصة بعد إعلان العديد من الصناديق السيادية العالمية عزوفها عن المشاركة، رغم دعوتها من قبل البنوك المديرة للاكتتاب.
وتقل جاذبية الاستثمار في أرامكو مقارنة مع شركات نفط عالمية أخرى. وتقول أرامكو إنها ستدفع توزيعات أرباح بقيمة 75 مليار دولار، وهو ما سيعني عائدا للأسهم قدره 3.75 بالمائة، في حال تقييم الشركة عند تريليوني دولار، بينما هذا العائد أقل من ذلك الذي يعرضه بالفعل منافسون مثل إكسون موبيل ورويال داتش شل.
وبحسب بيانات صادرة مؤخرا عن شركة رفينيتيف لأبحاث سوق النفط، فإن توزيعات الأرباح في شل تزيد على 6 بالمائة، وفي إكسون أكثر من 5 في المائة.
ولا تتضمن نشرة الطرح أي مؤشر على تقييم الشركة، لكن مصادر مطلعة قالت لوكالة بلومبيرغ الأميركية، أمس الأحد، إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سيكون راضيا عن تقييم يتراوح بين 1.6 تريليون دولار و1.8 تريليون دولار. وكان بن سلمان قد قدّر، في وقت سابق، قيمة الشركة بتريليوني دولار.
وعرض محللون من 16 بنكا تقييما للشركة، تتراوح تقديراتهم من 1.1 تريليون دولار إلى 2.5 تريليون دولار، وكانت نقطة الوسط 1.75 تريليون دولار، وفقا لبلومبيرغ.
وفي محاولة لإنجاح الطرح، تمارس الحكومة السعودية ضغوطاً على مستثمرين سعوديين من أجل المشاركة في الاكتتاب.
وحسب تقرير لوكالة فرانس برس، في وقت سابق من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، حاولت السلطات تحفيز السوق المحلية على الاكتتاب في الشركة قبل عملية الطرح، وذلك عبر إقناع العائلات الثرية بشراء حصص، بينما روّجت وسائل إعلام محلية لعملية الشراء على أنّها عمل وطني.
لكن مراقبين يتخوفون من أن تتحول عملية الاكتتاب في الشركة إلى فخ للمستثمرين، في ظل المخاطر التي تحيط بعمليات الطرح، لاسيما أن الضغوط المالية التي يتعرض لها كبار المستثمرين في السعودية تحول بالأساس دون تحقيق الهدف المرجو.
فقد أظهرت بيانات رصدتها "العربي الجديد" من خلال نتائج أعمال الشركات المدرجة في البورصة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، والتي جرى الإعلان عنها خلال الأيام الماضية، تسجيل ما يقرب من نصف الشركات خسائر وتراجعاً كبيراً في الأرباح، في استمرار للضغوط التي تتعرض لها منذ أكثر من عامين.
وتكبدت شركات كبرى خسائر فادحة، منها مجموعة الحكير، التي سجلت خسائر بنسبة 1785.9 في المائة، والزامل الصناعية بنسبة 166.9 في المائة.
كما سيكون لحجم الحصة المطروحة من أرامكو تأثير كبير على البورصة والسيولة في البنوك. ويبدي مصرفيون، وفق تقرير نشرته بلومبيرغ، في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، مخاوف على السيولة في البنوك السعودية، حيث إن حجم الأموال الكبيرة المطلوبة للاستثمار في أرامكو، سيتطلب أن توفر المصارف التجارية سيولة إضافية، في وقت تعاني من ضعف في السيولة والربحية.
وحسب تقرير الوكالة الاقتصادية الأميركية في الثاني من الشهر الجاري، طلبت البنوك التجارية من مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، في اجتماع نهاية أكتوبر/تشرين الأول، توفير كميات ضخمة من السيولة حتى تتمكن من إقراض المستثمرين في اكتتاب أرامكو.
وكان مصرف "جي بي مورغان" الأميركي قد ذكر في تقرير العام الماضي أن حوالى 80 مليار دولار هربت من السعودية في عام 2018، وذلك في أعقاب عمليات احتجاز طاولت أمراء ورجال أعمال بارزين.