احتجاجات بـ"ألوان الغضب" في تونس... إطلاق حملة سترات زرقاء لمواجهة الحمراء
ولّدت الاحتجاجات التونسية بالسترات الحمراء الغاضبة من تدهور المستويات المعيشية، ارتدادات معاكسة أدت إلى اندفاع تيار مضاد نحو اختيار لون أخر للسترات وهو الأزرق، من أجل إطلاق حملة تطالب بوقف المظاهرات والتركيز على العمل والإنتاج لإنقاذ الاقتصاد التونسي المتأزم.
وفي الوقت الذي بدأ فيه أصحاب السترات الحمراء بالتحرك الميداني تزامنا مع ذكرى ثورة 17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أطلق سياسيون ونشطاء على المنصات الاجتماعية حملة السترات الزرقاء المضادة التي تدعو إلى العمل، معتبرين أن التعوّد على الاحتجاج أفقد التونسيين قيمة العمل، رافضين الزج بالبلاد في أزمات تعطل سير عمل المؤسسات والمرافق العمومية، حسب تعبيرهم.
وفي المقابل، يطالب أعضاء التنسيقية الوطنية لحملة "السترات الحمراء" في تونس، بتغيير النظام السياسي ليصبح رئاسيا، بدلا من النظام المختلط، فضلا عن رفع الحد الأدنى للأجور، وإلغاء الزيادات في الوقود، وخفض أسعار المياه والكهرباء، والعمل على الإصلاحات الشاملة في مجالي الصحة والتعليم، وعلاج أسباب الهجرة غير الشرعية للشباب، ومحاسبة رجال الأعمال المتهربين من الضرائب.
وفي الذكرى الثامنة للثورة، يجمع التونسيون على أنه رغم المكاسب السياسية وتقدم المسار الديمقراطي، إلا أن الوضع الاقتصادي في تراجع مستمر، وهو ما انعكس على معيشة المواطنين وتسبب في طحن الطبقات الضعيفة بسبب الغلاء ووصفة إصلاحات صندوق النقد الدولي.
ورغم الاتفاق على تشخيص صعوبة الوضع الاقتصادي، إلا أن مقاربات المعالجة تختلف بين أصحاب السترات الحمراء والسترات الزرقاء الذين يعكسون جزءاً من حالة الانقسام السياسي والاجتماعي التي آلت إليها البلاد.
وتعكس بيانات منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول التحركات المعيشية ارتفاع منسوب غضب التونسيين من حجم الضغوطات المعيشية وانحسار فرص العمل.
وكشف مؤشر الاحتجاجات الاجتماعية الشهري، الذي يرصده منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس، عن أن عدد الاحتجاجات خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني بلغ 746 تحركاً، 94% منها تحركات جماعية.
ومثل تطوير البنى التحتية ومطالب تحسين الخدمات الأساسية لمعيشة المواطنين، على غرار توفير وسائل النقل ومياه الشرب والخدمات الصحية والخدمات البريدية، وكذلك التشغيل وضمان استمرارية مواطن الشغل في المصانع المهددة بالإفلاس، أبرز المطالب التي رفعها المحتجون في أغلب هذه المناطق.
وينتقد الناشط السياسي بحزب التكتل سمير عبد المؤمن، في حديث لـ"العربي الجديد"، الحكومات المتعاقبة التي انتهجت سياسات إخماد الحرائق الاجتماعية بالاستجابة لمطالب المحتجين على حساب موازنات الدولة، ما تسبب في عجز هيكلي لموازنة الدولة وإغراق البلاد في الديون الخارجية.
وقال عبد المؤمن، الذي يتبنى حركة السترات الزرقاء، إن نشطاء المجتمع المدني والأحزاب السياسية مطالبة بإشاعة ثقافة العمل ضد ثقافة التواكل والاحتجاج، مشيرا إلى أن قطاعات اقتصادية حيوية، على غرار البناء والإنشاء والزراعة، تعاني اليوم من نقص العمال، بسبب رفض الشباب لهذا الصنف من العمل مفضلين الاحتجاج لإلحاقهم بالوظائف الحكومية وتقاضي أجور دون القيام بأي عمل.
ويقر عبد المؤمن بصعوبة الأوضاع المعيشية في تونس، غير أنه لا يجد مبررا للاحتجاج وإغلاق الطرقات ومنع العمل في قطاعات حيوية، على غرار الفوسفات وغيره، مشددا على ضرورة انصراف التونسيين للعمل ضمانا لحق الأجيال القادمة في وطن غير مرتهن بالديون، حسب قوله.
وقال وزير المالية التونسي رضا شلغوم، في تصريحات أخيراً، إن مدفوعات ديون تونس ستزيد إلى مستوى قياسي يتجاوز تسعة مليارات دينار (3.24 مليارات دولار) العام المقبل.
وتعاني تونس من أزمة اقتصادية خانقة منذ الإطاحة بزين العابدين بن على في عام 2011، وسط زيادات حادة في معدلات البطالة والتضخم. وفى العام الماضي بلغت خدمة الدين 7.9 مليارات دينار.
وقال وزير المالية: "خدمة الدين ستتجاوز التسعة مليارات دينار العام المقبل، مقارنة مع حوالى 5.1 مليارات دينار في 2016"، كما أكد أن تونس ستحتاج تمويلا خارجيا بنحو سبعة مليارات دينار في 2019.
اقــرأ أيضاً
وعلى مدار السنوات الماضية، وجّهت الحكومات التونسية القسط الأكبر من الموازنات الممولة بالقروض الخارجية نحو نفقات الأجور المتفاقمة وإخماد الاحتجاجات الاجتماعية بخلق وظائف وهمية دون قيام أصحابها بأي أعمال تذكر على غرار شركات تابعة لشركة فوسفات قفصة التي انتدبت نحو 3 آلاف عامل جديد دون تكليفهم بأي وظائف أو مهام مضبوطة.
وتشهد تونس اضطرابات في الآونة الأخيرة، خاصة على الصعيد الاقتصادي، فإلى جانب المشهد السياسي المضطرب وما تواجهه حكومة يوسف الشاهد من خلافات مع عدد من أحزاب الائتلاف الحكومي والاتحاد العام التونسي للشغل، على خلفية الأزمة الاقتصادية والإصلاحات التي شملت عدة قطاعات، يسعى أصحاب السترات الحمراء إلى استنساخ التجربة الفرنسية لتأجيج الشارع وإجبار حكومة الشاهد على تقديم تنازلات لفائدة المحتجين.
ويرى عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن نسق الاحتجاجات الاجتماعية قفز من 4960 سنة 2015 إلى 8713 احتجاجا سنة 2016، ليبلغ 10452 احتجاجا سنة 2017، مشيرا إلى أن الاحتجاجات الاجتماعية خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 بلغت أكثر من 730 احتجاجا.
وأضاف بن عمر أن الحكومة وعدت بأن تكون 2018 "سنة الإقلاع" و"آخر سنوات الصعوبات الاقتصادية"، غير أن وعودها لم تتحقق ولم يحمل قانون المالية الجديد بذور الأمل، ما يبرر عودة المحتجين للشوارع، معتبرا أن السترات الحمراء واحدة من مظاهر الاحتجاج.
وشهدت تونس في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إضرابا في قطاع الوظيفة العمومية لزيادة الأجور وتحسين المعيشة، والذي وصفه الاتحاد العام للشغل بأنه الإضراب الأكبر منذ عام 2013، معتبرا أن خلافه مع الحكومة يتجاوز مطالب الزيادة في رواتب 650 ألف موظف إلى الدفاع عن حقوق دستورية للتونسيين تريد الدولة حجبها والتفريط بها تحت ضغط صندوق النقد الدولي.
وشمل الإضراب آنذاك المدارس والجامعات والمستشفيات العامة إضافة للوزارات والإدارات المركزية والجهوية والمحلية بكامل البلاد.
وفي الوقت الذي بدأ فيه أصحاب السترات الحمراء بالتحرك الميداني تزامنا مع ذكرى ثورة 17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أطلق سياسيون ونشطاء على المنصات الاجتماعية حملة السترات الزرقاء المضادة التي تدعو إلى العمل، معتبرين أن التعوّد على الاحتجاج أفقد التونسيين قيمة العمل، رافضين الزج بالبلاد في أزمات تعطل سير عمل المؤسسات والمرافق العمومية، حسب تعبيرهم.
وفي المقابل، يطالب أعضاء التنسيقية الوطنية لحملة "السترات الحمراء" في تونس، بتغيير النظام السياسي ليصبح رئاسيا، بدلا من النظام المختلط، فضلا عن رفع الحد الأدنى للأجور، وإلغاء الزيادات في الوقود، وخفض أسعار المياه والكهرباء، والعمل على الإصلاحات الشاملة في مجالي الصحة والتعليم، وعلاج أسباب الهجرة غير الشرعية للشباب، ومحاسبة رجال الأعمال المتهربين من الضرائب.
وفي الذكرى الثامنة للثورة، يجمع التونسيون على أنه رغم المكاسب السياسية وتقدم المسار الديمقراطي، إلا أن الوضع الاقتصادي في تراجع مستمر، وهو ما انعكس على معيشة المواطنين وتسبب في طحن الطبقات الضعيفة بسبب الغلاء ووصفة إصلاحات صندوق النقد الدولي.
ورغم الاتفاق على تشخيص صعوبة الوضع الاقتصادي، إلا أن مقاربات المعالجة تختلف بين أصحاب السترات الحمراء والسترات الزرقاء الذين يعكسون جزءاً من حالة الانقسام السياسي والاجتماعي التي آلت إليها البلاد.
وتعكس بيانات منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول التحركات المعيشية ارتفاع منسوب غضب التونسيين من حجم الضغوطات المعيشية وانحسار فرص العمل.
وكشف مؤشر الاحتجاجات الاجتماعية الشهري، الذي يرصده منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس، عن أن عدد الاحتجاجات خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني بلغ 746 تحركاً، 94% منها تحركات جماعية.
ومثل تطوير البنى التحتية ومطالب تحسين الخدمات الأساسية لمعيشة المواطنين، على غرار توفير وسائل النقل ومياه الشرب والخدمات الصحية والخدمات البريدية، وكذلك التشغيل وضمان استمرارية مواطن الشغل في المصانع المهددة بالإفلاس، أبرز المطالب التي رفعها المحتجون في أغلب هذه المناطق.
وينتقد الناشط السياسي بحزب التكتل سمير عبد المؤمن، في حديث لـ"العربي الجديد"، الحكومات المتعاقبة التي انتهجت سياسات إخماد الحرائق الاجتماعية بالاستجابة لمطالب المحتجين على حساب موازنات الدولة، ما تسبب في عجز هيكلي لموازنة الدولة وإغراق البلاد في الديون الخارجية.
وقال عبد المؤمن، الذي يتبنى حركة السترات الزرقاء، إن نشطاء المجتمع المدني والأحزاب السياسية مطالبة بإشاعة ثقافة العمل ضد ثقافة التواكل والاحتجاج، مشيرا إلى أن قطاعات اقتصادية حيوية، على غرار البناء والإنشاء والزراعة، تعاني اليوم من نقص العمال، بسبب رفض الشباب لهذا الصنف من العمل مفضلين الاحتجاج لإلحاقهم بالوظائف الحكومية وتقاضي أجور دون القيام بأي عمل.
ويقر عبد المؤمن بصعوبة الأوضاع المعيشية في تونس، غير أنه لا يجد مبررا للاحتجاج وإغلاق الطرقات ومنع العمل في قطاعات حيوية، على غرار الفوسفات وغيره، مشددا على ضرورة انصراف التونسيين للعمل ضمانا لحق الأجيال القادمة في وطن غير مرتهن بالديون، حسب قوله.
وقال وزير المالية التونسي رضا شلغوم، في تصريحات أخيراً، إن مدفوعات ديون تونس ستزيد إلى مستوى قياسي يتجاوز تسعة مليارات دينار (3.24 مليارات دولار) العام المقبل.
وتعاني تونس من أزمة اقتصادية خانقة منذ الإطاحة بزين العابدين بن على في عام 2011، وسط زيادات حادة في معدلات البطالة والتضخم. وفى العام الماضي بلغت خدمة الدين 7.9 مليارات دينار.
وقال وزير المالية: "خدمة الدين ستتجاوز التسعة مليارات دينار العام المقبل، مقارنة مع حوالى 5.1 مليارات دينار في 2016"، كما أكد أن تونس ستحتاج تمويلا خارجيا بنحو سبعة مليارات دينار في 2019.
وعلى مدار السنوات الماضية، وجّهت الحكومات التونسية القسط الأكبر من الموازنات الممولة بالقروض الخارجية نحو نفقات الأجور المتفاقمة وإخماد الاحتجاجات الاجتماعية بخلق وظائف وهمية دون قيام أصحابها بأي أعمال تذكر على غرار شركات تابعة لشركة فوسفات قفصة التي انتدبت نحو 3 آلاف عامل جديد دون تكليفهم بأي وظائف أو مهام مضبوطة.
ويرى عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن نسق الاحتجاجات الاجتماعية قفز من 4960 سنة 2015 إلى 8713 احتجاجا سنة 2016، ليبلغ 10452 احتجاجا سنة 2017، مشيرا إلى أن الاحتجاجات الاجتماعية خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 بلغت أكثر من 730 احتجاجا.
وأضاف بن عمر أن الحكومة وعدت بأن تكون 2018 "سنة الإقلاع" و"آخر سنوات الصعوبات الاقتصادية"، غير أن وعودها لم تتحقق ولم يحمل قانون المالية الجديد بذور الأمل، ما يبرر عودة المحتجين للشوارع، معتبرا أن السترات الحمراء واحدة من مظاهر الاحتجاج.
وشهدت تونس في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إضرابا في قطاع الوظيفة العمومية لزيادة الأجور وتحسين المعيشة، والذي وصفه الاتحاد العام للشغل بأنه الإضراب الأكبر منذ عام 2013، معتبرا أن خلافه مع الحكومة يتجاوز مطالب الزيادة في رواتب 650 ألف موظف إلى الدفاع عن حقوق دستورية للتونسيين تريد الدولة حجبها والتفريط بها تحت ضغط صندوق النقد الدولي.
وشمل الإضراب آنذاك المدارس والجامعات والمستشفيات العامة إضافة للوزارات والإدارات المركزية والجهوية والمحلية بكامل البلاد.