تستعد الأسر المغربية مع قدوم شهر رمضان لإقامة الكثير من الطقوس المتفرّدة، وإحياء العادات الاجتماعية القديمة، إما تبرّكاً بحلول شهر الصوم الكريم، أو اعتقاداً بكون تلك الطقوس تجلب الخير العميم طيلة السنة التي تعقب رمضان.
ومن أشهر العادات الاجتماعية التي يقوم بها العديد من المغاربة قبل حلول الشهر الكريم، غسل الأواني النحاسية الموجودة في البيت، ووضعها أمام الباب طيلة أيام متوالية، طلباً للفأل والحظ الحسن، بينما يعمد آخرون إلى إقامة حفلات تسمى "شعبانة".
النحاس يجلب الحظ
وتقوم النساء بجمع الأواني النحاسية، خصوصاً من المطبخ، ويغسلنها في الأيام القليلة التي تسبق حلول شهر رمضان، ثم يعرضنها أمام بيوتهن في النهار، اعتقاداً منهن بأن هذه العملية تطرد الشرور، وتبعد الحسد والأذى عن أسرهن وبيوتهن.
وتتحدث مي عيشة، في نهاية عقدها الخامس، لـ"العربي الجديد"، عن إخراج أوانيها النحاسية كل سنة قبل رمضان لغسلها وعرضها أمام باب منزلها.
وعن أسباب قيامها بهذا الطقس "الطريف"، تقول إنها وجدت والدتها الراحلة تقوم بهذا التقليد الاجتماعي مثل الكثير من جاراتها، فاستمرت به على المنوال نفسه، مضيفة أن الثابت كون النحاس معدن يجلب الحظ الحسن، وتنظيفه وعرضه أمام البيت دعوة للخير لولوج البيت، وإشارة لطرد الشرور.
الجدران البيضاء تبعث على التفاؤل
واستناداً إلى الاعتقادات الاجتماعية نفسها السائدة وسط عدد من الأسر المغربية، يعمد عدد من الرجال إلى تبييض جدران بيوتهم، وصبغها باللون الأبيض، أياماً قليلة قبل حلول شهر رمضان، تفاؤلاً بقدوم الشهر الفضيل، وتيمّنا بالأبيض الذي يرمز إلى الخير والسلام.
ويقول محمد بنقديس، رب أسرة، إنه دأب على طلاء جدران بيته الخارجية بالأبيض كل سنة، وتحديداً في شهر شعبان، لأن هذا الأمر يشعره بالطاقة الإيجابية، فيمر شهر الصيام في وئام وسلام، وفق تعبيره.
ويعلق الباحث في علم النفس محمد قجدار، لـ"العربي الجديد"، بأن المواطن العربي، ومنه المغربي، يتمسك بأية طقوس اجتماعية تشعره بالسعادة، أو توحي له بحصول الخير، والرزق والبركة، وتطرد عنه الأرواح الشريرة، والعين والسحر.
ويتابع بأن المواطن المغربي مثل مواطني عدد من البلدان العربية، يعمدون إلى تصديق ما هو غيبي، فيجدون في تلك الطقوس "قشة نفسية يحتمون بها أمام الغيب الذي يشكل لهم المجهول".
حفلات "شعبانة" لتطهير النفوس
وفي طقس غريب آخر، تقوم بعض الأسر المغربية، في الأيام التي تسبق حلول رمضان، بإحياء ليال وحفلات تسمى بـ"شعبانة"، وهي حفلات تتضمن رقصات تشبه "الجذبة"، على إيقاع موسيقي سريع، فتتعالى الأصوات وسط روائح البخور التي تملأ المكان، ليسقط البعض من فرط الحركة، وتخور قوى البعض الآخر.
وتتسم ليلة "شعبانة" عند عدد من الأسر بإقامة وليمة تحوي ما لذّ وطاب من الأطعمة والمشروبات، شرط أن تكون بعيدة عن كل ما هو مالح، اعتقاداً من الحاضرين بأن الجن يكره الملح في الأكل، بينما يغلب الصياح على تلك "الجذبة" بدعوى أن ذلك يطهّر النفوس ويريحها، ويخرج الأرواح الشريرة من الجسد، استعداداً لرمضان.
والغريب أن بعض حفلات "شعبانة" الصاخبة تتخللها سلوكيات بعيدة عن روح شهري شعبان ورمضان، إذ يعمد بعض المشاركين إلى شرب الخمر، في حين تلجأ النساء إلى الترويح عن أنفسهن بالرقص وسرد النكات والضحك الصاخب.
ويرى قجدار أن هذه السلوكيات التي ترافق ما يسمى "شعبانة" لا يمكن تعميمها على جميع الأسر، وهي طقس آيل إلى الانقراض مع مرور الوقت وانتشار الوعي، مضيفاً أنها طقس شعبي تقوم به الطبقات الفقيرة بشكل أكبر، إذ "يجدون في تلك الليلة متنفساً يخرجون فيها مكبوتاتهم الداخلية، تحضيراً لقدوم رمضان الذي يلجم الكثير من الرغبات والممارسات".