لو قدّر لي أن أكتب هذا المقال في السبعينيات من القرن الماضي لكانت التواريخ المتعلقة بمواعيد التفريخ قد اختلفت. ففي العالم كله أثبتت الدراسات أنّ تواريخ تفريخ الطيور أبكرت لفترة زمنية تراوح ما بين يوم واحد ونحو 30 يوماً، وما ذلك إلّا بسبب تغير المناخ.
في لبنان، بينت مقارنة الدراسة التي نشرتها في مجلة "ساندغراوس" العالمية في العام 2008، بتلك التي نشرتها في المجلة نفسها في العام 1999، أنّ تواريخ التفريخ أبكرت 15 يوماً عند الطيور المقيمة (وعددها في لبنان 55 نوعاً)، أما الطيور المهاجرة التي كانت تأتي إلى لبنان لتفرخ فيه (أي الطيور المفرخة المصيفة) في بداية شهر إبريل/ نيسان (وعددها 67 نوعاً)، فقد باتت تأتي في الثلث الأخير من شهر مارس/ آذار، وتبدأ التفريخ في شهر إبريل.
بشكل عام، فإنّ معظم الطيور تعشش وتبيض وتفرّخ في الربيع حيث النهار أطول وكمية الضوء التي تدخل إلى العين ومنها إلى الدماغ بالعصب البصري تؤثر على الغدد الجنسية وبالتالي على النشاط الجنسي وتكوين البيض عند الطيور. أفضل مثال على ذلك أنّ مربّي الدجاج يبقون على الإضاءة في الأقفاص طوال الليل وما ذلك سوى لزيادة عدد البيض المطروح. تستفيد من هذه الإضاءة الطبيعية جميع أنواع الطيور المفرخة المصيفة. أما الطيور المقيمة فمعظمها يستفيد من طول النهار ومنها ما تساعده جيناته الوراثية على عدم الاعتماد كثيراً على طول فترة الضوء، وبذلك تعتبر من الطيور التي تستطيع الاستفادة من الموارد الغذائية التي تتصدر فصل الربيع. فهي تعشش منذ بداية شهر فبراير/ شباط وتبيض في نهاية ثلثه الأول وتفقس خلال ثلثه الأخير. وهذا ينطبق على كثير من الطيور الصغيرة الحجم التي تتغذى على الحشرات في الأعشاب القصيرة قبل فصل الربيع وتتجنب البحث عن الغذاء بين الأعشاب الطويلة في فصل الربيع خوفاً من تربص الأعداء الطبيعيين بها بين الحشائش.
ينطبق التعشيش المبكر أيضاً على بعض الصقور وكلّ أنواع البوم نظراً لاستراتيجيتها المتشابهة في الحصول على فئران الحقل التي تبدأ نشاطها في أواخر فصل الشتاء. فقسم من العصفور الخضيري يبدأ في التعشيش منذ أوائل فبراير لكي يستفيد من بذور الأشجار المخروطية التي تطرح في هذا الوقت من السنة. أما طيور سن المنجل فهي أيضاً تبني أعشاشها في بدايات فبراير لكنّها تتأخر في وضع البيض إلى القسم الثاني من الشهر. ولقد شاهدنا تكراراً محاولات تفريخ مبكرة تبدأ من يناير/ كانون الثاني لأعداد من الشحارير، وهي حالة تحصل عند الأزواج التي تتزاوج للمرة الأولى. أما الغربان الكبيرة، فهي مخلصة لشريك حياتها وبذلك فإنّها لا تهدر الوقت في البحث عن شريك أو في بناء العش لأنها تستعمله مراراً. لذلك فهي تسارع مبكرة لكي تعشش في فبراير، وعندما تترك العش تسارع الصقور إلى استخدامه لوضع بيضها. ولهذا السبب توصي مشاريع المحافظة على الطيور العالمية بحماية الغربان من أجل إعطاء أفضل الفرص لتفريخ الصقور المعرضة لخطر الانقراض والتي تستخدم أعشاش الغربان.
اقــرأ أيضاً
وبالرغم من أنّ معظم الصقور تفرّخ في الربيع كغيرها، إلا أنّ الوكري يبدأ في لبنان والدول الأوروبية بمرحلة التزاوج واختيار مكان العش في ديسمبر/ كانون الأول ويناير، لكنّه يضع بيضه في فبراير. كلّ ذلك ربما يدل على أنّ الصيد في فبراير قد لا يقصد منه قتل هذه الطيور المبكرة التعشيش لكنّه لا بد سيتسبب بإزعاجها وجعلها تهرب إلى أماكن أخرى تاركة وراءها خللاً في التوازن البيئي. وقد يتسبب لها هذا الهروب بمفاجآت، كالوقوع مثلاً فريسة للحيونات الضارية التي تصادفها.
*اختصاصي في علم الطيور البرية
في لبنان، بينت مقارنة الدراسة التي نشرتها في مجلة "ساندغراوس" العالمية في العام 2008، بتلك التي نشرتها في المجلة نفسها في العام 1999، أنّ تواريخ التفريخ أبكرت 15 يوماً عند الطيور المقيمة (وعددها في لبنان 55 نوعاً)، أما الطيور المهاجرة التي كانت تأتي إلى لبنان لتفرخ فيه (أي الطيور المفرخة المصيفة) في بداية شهر إبريل/ نيسان (وعددها 67 نوعاً)، فقد باتت تأتي في الثلث الأخير من شهر مارس/ آذار، وتبدأ التفريخ في شهر إبريل.
بشكل عام، فإنّ معظم الطيور تعشش وتبيض وتفرّخ في الربيع حيث النهار أطول وكمية الضوء التي تدخل إلى العين ومنها إلى الدماغ بالعصب البصري تؤثر على الغدد الجنسية وبالتالي على النشاط الجنسي وتكوين البيض عند الطيور. أفضل مثال على ذلك أنّ مربّي الدجاج يبقون على الإضاءة في الأقفاص طوال الليل وما ذلك سوى لزيادة عدد البيض المطروح. تستفيد من هذه الإضاءة الطبيعية جميع أنواع الطيور المفرخة المصيفة. أما الطيور المقيمة فمعظمها يستفيد من طول النهار ومنها ما تساعده جيناته الوراثية على عدم الاعتماد كثيراً على طول فترة الضوء، وبذلك تعتبر من الطيور التي تستطيع الاستفادة من الموارد الغذائية التي تتصدر فصل الربيع. فهي تعشش منذ بداية شهر فبراير/ شباط وتبيض في نهاية ثلثه الأول وتفقس خلال ثلثه الأخير. وهذا ينطبق على كثير من الطيور الصغيرة الحجم التي تتغذى على الحشرات في الأعشاب القصيرة قبل فصل الربيع وتتجنب البحث عن الغذاء بين الأعشاب الطويلة في فصل الربيع خوفاً من تربص الأعداء الطبيعيين بها بين الحشائش.
ينطبق التعشيش المبكر أيضاً على بعض الصقور وكلّ أنواع البوم نظراً لاستراتيجيتها المتشابهة في الحصول على فئران الحقل التي تبدأ نشاطها في أواخر فصل الشتاء. فقسم من العصفور الخضيري يبدأ في التعشيش منذ أوائل فبراير لكي يستفيد من بذور الأشجار المخروطية التي تطرح في هذا الوقت من السنة. أما طيور سن المنجل فهي أيضاً تبني أعشاشها في بدايات فبراير لكنّها تتأخر في وضع البيض إلى القسم الثاني من الشهر. ولقد شاهدنا تكراراً محاولات تفريخ مبكرة تبدأ من يناير/ كانون الثاني لأعداد من الشحارير، وهي حالة تحصل عند الأزواج التي تتزاوج للمرة الأولى. أما الغربان الكبيرة، فهي مخلصة لشريك حياتها وبذلك فإنّها لا تهدر الوقت في البحث عن شريك أو في بناء العش لأنها تستعمله مراراً. لذلك فهي تسارع مبكرة لكي تعشش في فبراير، وعندما تترك العش تسارع الصقور إلى استخدامه لوضع بيضها. ولهذا السبب توصي مشاريع المحافظة على الطيور العالمية بحماية الغربان من أجل إعطاء أفضل الفرص لتفريخ الصقور المعرضة لخطر الانقراض والتي تستخدم أعشاش الغربان.
وبالرغم من أنّ معظم الصقور تفرّخ في الربيع كغيرها، إلا أنّ الوكري يبدأ في لبنان والدول الأوروبية بمرحلة التزاوج واختيار مكان العش في ديسمبر/ كانون الأول ويناير، لكنّه يضع بيضه في فبراير. كلّ ذلك ربما يدل على أنّ الصيد في فبراير قد لا يقصد منه قتل هذه الطيور المبكرة التعشيش لكنّه لا بد سيتسبب بإزعاجها وجعلها تهرب إلى أماكن أخرى تاركة وراءها خللاً في التوازن البيئي. وقد يتسبب لها هذا الهروب بمفاجآت، كالوقوع مثلاً فريسة للحيونات الضارية التي تصادفها.
*اختصاصي في علم الطيور البرية