يحتفل العالم اليوم بـ"اليوم العالمي للمعلم"، وهي لحظة احتفاء بجهود المعلمين والمعلمات في تعليم الناشئة، يستحضر فيها العالم التضحيات التي تبذلها هذه الشريحة في تعليم وتربية الأطفال، وفي البناء الفكري والروحي، بحكم الأولوية التي تحتلها قضايا التربية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلدان.
وإذا كان العلم هو مفتاح الخروج من الظلام إلى نور المعرفة، فلا أحد ينكر دور المعلم في نجاح العملية التعليمية، وقد لا تكفي كل كلمات الشكر لرجال ونساء ضحوا بوقتهم ومجهودهم من أجل جيل واع ومتعلم.
غير أن الصورة تبدو قاتمة في المغرب، إذ لا يمكننا في سياق الاحتفال بهذا اليوم، أن نغفل التراجعات التي تمس بنية وجودة التعليم، والعنصر البشري، ومناهج التربية والتكوين، وأيضا الإشكالات التي مازال يتخبط فيها قطاع التعليم، والتي جعلت الموسم الدراسي الحالي يعد أحد أسوأ المواسم التي شهدتها البلاد، بإجماع العديد من المنظمات والجمعيات ذات العلاقة بالشأن المدرسي والتربوي في المملكة، فضلاً عما أثاره من احتجاجات على مستوى آباء وأمهات التلاميذ، بسبب ظاهرة الاكتظاظ ونقص عدد الكوادر التعليمية.
وهذه تراجعات وثّقتها تقارير دولية ودراسات تربوية أجمعت على الاختلالات والأعطاب المتنوعة التي تتخبَّط فيها المنظومةُ التعليمية في المغرب، والتي يكون ضحيتها الطالب أولا وأخيراً.
ونستحضر هنا تقرير البنك الدولي الأخير الذي قدّم معطيات صادمة حول مستوى تعليم التلاميذ المغاربة، وتراجع جودة التعليم المغربي، حسب المعايير العالمية، ليظهر أن التلاميذ المغاربة حققوا ثالث أسوأ نتيجة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خلف كل من الكويت وسلطنة عمان.
ويعد اليوم العالمي للمعلم، محطة محورية للوقوف على النجاحات والإخفاقات التي بصمت العملية التعليمية لكل بلد على حد سواء، ومساءلته انطلاقا مما نصت عليه المواثيق الدولية عبر الاعتراف بالتعليم كحق لكل فرد في المجتمع، بدءاً من تعميمه وإلزاميته مع المجانية بالتدريج، وصولاً إلى المساواة وعدم التمييز، وكذا توفير كل شروط الاستفادة من تعليم جيد، وربط آفاق التعليم باحتياجات المجتمع، وكذا تحسين الأوضاع المادية للعاملين في التعليم.
وليس خفياً عن كل متتبع للشأن التربوي المغربي، أنّ ضعف القدرة الإدماجية والطاقة الاستيعابية لا يسمَح لعدد كبير من الأطفال البالغين سنَّ التمدرس بولوج المدرسة؛ والاستفادة من أحد المبادئ الأساسية التي تم إقرارها بالمغرب بعد الاستقلال في إصلاح 1957م، إلى جانب عدم تكيف المنظومة التربوية مع المعطيات الجديدة لسُوق الشغل، وهذا يفسِّر جانبًا من جوانب أزمة بطالة حاملي الشهادات.
كما يعدّ الهدر والتسرب المدرسي، الذي يَطاول أعدادًا كبيرة من التلاميذ والتلميذات، خاصة في الأوساط القروية والفقيرة والإناث، من عوائق التحصيل المعرفي، بالإضافة إلى ضعف المردوديَّة وتراجع جودة التحصيل في المؤسسات التعليمية العمومية.
ودفع هذا التراجع عددا من المواطنين المغاربة من فئات متنوعة إلى إطلاق حملة لإنقاذ المدرسة العمومية المغربية بعنوان "جميعا من أجل تعليم عمومي مجاني جيد"، غير أن تفاعلها لم يخرج عن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في غياب أي ردّ فعل من الوزارة الوصية على القطاع في البلاد.
وتصاعدت حدة الجدل الدائر في المغرب منذ بداية العام الدراسي الحالي، بعد أن أخضعت وزارة التربية الوطنية المغربية مناهج ومقررات التربية الإسلامية، في المدارس المغربية، لـ"المراجعة الشاملة" وفق التوجهات الجديدة التي "تراعي القيم الأصيلة للشعب المغربي، ومقومات الهوية الوطنية بثوابتها الدينية ومكوناتها المتعددة"، حسب تعبيرها.
ومن التعديلات التي حدثت في مقررات التربية الإسلامية حذف الآيات القرآنية التي تدعو إلى الجهاد، والتي كانت مقررة في بعض مناهج مستويات التعليم الابتدائي والإعدادي، وهو ما اعتبره مراقبون "رغبة من المغرب في تحييد ومراجعة التعليم الديني ليبتعد عن كل ما من شأنه تأويله بالدعوة إلى العنف والتطرف"، لكنه قوبل بانتقادات من طرف فئة أخرى رأت فيه "مسخا" للهوية الإسلامية.
ويرى باحثون ومختصون أكاديمون أن نجاح أي إصلاح تربوي مرتبط بالأساس بتدابير منها: إعطاء الأولوية للحلول التربوية والبيداغوجية لمعالجة اختلالات المنظومة التربوية عبر استبعاد منطق المعالجة التقنية الصرفة للإشكاليات التربوية؛ تجاوز المقاربة الكمية إلى ما هو نوعي، من خلال التركيز على التلميذ باعتباره المستهدف الأساسي من الإصلاح، ضرورة العمل على تثمين العنصر البشري (نساء ورجال التعليم)، عبر رد الاعتبار له وتحفيزه ماديا ومعنويا، اعتبار إصلاح منظومة التربوية والتكوين وإنقاذ المدرسة العمومية، شرطا ضروريا لكل تنمية وطنية شاملة؛ ووضع استراتيجية جديدة للتكوين الأساسي والمستمر.