عائلات مغربية كثيرة تعيش أحزاناً متواصلة بسبب اختفاء أحد أفرادها من دون سابق إنذار. تعيش العائلات حالة طوارئ مع أقاربها ومعارفها. لا تتوقف عن البحث عن المختفي المغادر عادة لخلافات عائلية، أو مشاكل مالية أو عاطفية أو نفسية.
قصص كثيرة منتشرة لمثل هؤلاء. ما يجمع بينها أنّ أبطالها باتوا في عداد المفقودين، وأنّ أهلهم ما زالوا يبحثون عنهم، فلا ينجحون في معظم الأحيان في العثور عليهم. من بينهم كذلك، من فقدته أسرته سنة أو اثنتين ثم عثرت عليه، أو عاد وحده.
مع ازدياد أعداد الأشخاص المختفين هؤلاء، تخصصت برامج تلفزيونية وإذاعية في بث نداءات عائلات المختفين إليهم. واستطاعت بالفعل أن تعيد بعض المفقودين إلى أحضان أسرهم.
من البرامج التلفزيونية الشهيرة التي لعبت دور الوسيط بين العائلات والأبناء المختفين، وبين الشخص الذي غادر بيته لأسباب خاصة، برنامج "مختفون" الذي تبثه القناة الثانية الحكومية، والذي يتولى الإبلاغ عن حالات الاختفاء والإخبار عن المختفين من خلال تحقيقات ميدانية، تنقل حزن العائلات لفقدان قريب، أو فرحتها بلقائه.
من أكثر القصص إثارة لتعاطف قطاع عريض من المجتمع المغربي، حكاية أم تخلت مرغمة بسبب ظروفها العائلية والمالية المزرية عن أطفالها الثلاثة، عندما كانوا صغاراً منذ أكثر من 15 عاماً. لكنّ القدر شاء أن تعمل في أحد البيوت، وبعد سنوات طويلة قصت الأم حزنها لصاحبة المنزل التي بثت نداءها في البرنامج التلفزيوني.
تقول الأم الحزينة التي تجرعت آلام فراق أبنائها بعد تركهم متعمدة لدى أحد مراكز الأطفال المتخلى عنهم، قبل أن تتكفل بهم إحدى الأسر، إنّها طوال السنوات السابقة لم تكن تنام كبقية الناس. وكانت مع كلّ عيد أو مناسبة سعيدة خصوصاً تتذكر أطفالها، وتدخل في موجة بكاء شديد.
وبعد مرور كل تلك السنوات، وبفضل البرنامج التلفزيوني المذكور، تعرّف الأبناء على والدتهم من خلال الأوصاف والصور التي نشرتها. التقوا بوالدتهم بعد كلّ تلك السنوات من الفراق، وقد بلغ الابن الأكبر من العمر 20 عاماً. وكان اللقاء محفوفاً بالمشاعر الإنسانية المؤثرة، التي وثقت بالكامل عبر كاميرات البرنامج.
ومن القصص الأخرى ما جرى للشاب حميد الذي اختفى عن أنظار أسرته مدة 8 سنوات، من دون أن يترك إشارة على الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ هذا الخيار. مع ذلك، يتناقل البعض أخباراً عن معاملة والده القاسية له طوال فترة وجوده في المنزل. بحثت عنه أسرته في كلّ مكان، وبعد فترة لفظ بحر المدينة جثة متحللة مجهولة الهوية، فاعتقدت الأسرة أنّ ابنها هو صاحب الجثة.
مرّت ثماني سنوات على اختفاء حميد الغامض الذي لم يفصح أحد من أفراد أسرته الصغيرة عن الأسباب الحقيقية له. وبعدما استبعدت العائلة أن تكون الجثة المتحللة لابنها، لجأت إلى بث نداءات مؤثرة ومبكية في عدد من وسائل الإعلام. وهنا حدث التغيير الحقيقي، فقد رقّ قلب الشاب في ما يبدو لحال والديه، خصوصاً أمه التي أصيبت بمرض أذهب بصرها، فعاد إلى حضن الأسرة من تلقاء نفسه وسط عدم تصديق كثيرين.
أما قصة عبد الفتاح ش. الذي غاب عن بيت أسرته طوال أربع سنوات حتى اعتقدت أنّه مات، فلا تقل إثارة للمشاعر عمّا سبقها من قصص. تقول والدته لـ"العربي الجديد" إنّ ابنها كان يعاني من تشوه خلقي في وجهه، وكان ذلك يسبب له الكثير من الألم، خصوصاً مع نظرات الآخرين إليه. وهو ما جعله انطوائياً حزيناً طول الوقت. تضيف أنّها في أحد الأيام قبل أكثر من أربع سنوات، استيقظت في الصباح الباكر كعادتها، لكنّها لم تجد ابنها نائماً في غرفته، فاعتقدت في البداية أنّه خرج إلى مكان يحب الجلوس فيه وحده، لكنها تأكدت لاحقاً أنه لم يفعل ذلك. بحثت رفقة أبنائها الآخرين في كلّ مكان، من دون جدوى.
تتابع أنّها ذهبت بالرغم من تقدمها في السنّ إلى مراكز الشرطة في المدينة، وإلى جميع المستشفيات، وإلى المقابر، وأيضاً إلى شاطئ البحر لعلها تجد جثته. لكنّها لم تعثر على ابنها عبد الفتاح. أقامت الأسرة العزاء له من دون أن ترى له جثة.
مرت أربع سنوات كاملة. ظلّ خيال عبد الفتاح لا يفارق أمه، خصوصاً مع العلاقة الوثيقة التي كانت تجمعه بها. ومن دون سابق إنذار طرق باب البيت يوم عيد الأضحى الماضي، وصدمت الأم بمجيئه بعد أن هدّتها أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم بسبب ما وقع. صدمت أكثر بتناقص تشوهه الذي لم يعد ظاهراً كما كان، فقد تمكن عبد الفتاح من إجراء عملية جراحية تجميلية خارج البلاد. كلّ ذلك بتخطيط منه قبل رحيله من دون يعرف أحد شيئاً.