لم تُتَح لي قطّ فرصةٌ للتبرّع بالدم. في مرّات كثيرة، كانت زمرة/ فئة دمي تتطابق مع ما يُطلب في "نداءات إنسانيّة" عاجلة، غير أنّني لم ألبِّ أيّاً منها. بخلاف ذلك، في وقت مضى، أنقذَتني - شخصياً - وحدات دم أكثر من متبرّع. ما زلت أذكر أنّني في مرّة بحثتُ بنفسي عن متبرّعين لي، ثمّ حملتُ الدم الذي توفّر إلى المستشفى، قبل أن أُزَوَّد به في اليوم التالي. في تلك المرّة، لم يكن الأمر سهلاً. وعندما وُفّقتُ أخيراً بمتبرّعَين، وضعتُ كيسَي ذلك السائل الأحمر اللزج في مستوعب خاص مع عبوات مبرّدة، ورحتُ أقود سيّارتي بسرعة جنونيّة خوفاً من أن يفسد. كان الموقف غريباً بعض الشيء، غير أنّه حصل. يومها، اضطررتُ إلى التأكيد في أكثر من مرّة، للقائمة على بنك الدم في المستشفى، أنّ الوحدتَين لي شخصيّاً.
لطالما تخلّفتُ عن التبرّع. الأمر لا يتعلّق بموقف سلبيّ إزاء المبدأ، فأنا أُعِدّ نفسي من أشدّ مناصريه... سواءً التبرّع بالدم أو وهب الأعضاء. وأشعر بما يشبه عجزاً وخجلاً كلّما رأيتُ سيّارة وضع صاحبها على زجاجها ملصقاً يفيد بأنّ ثمّة متبرّعاً بالدم في تلك المركبة، أو كلّما اطّلعتُ على نداء إنسانيّ في هذا السياق، أو كلّما نُظّمت حملة لهذا الغرض.
في الرابع عشر من يونيو/حزيران، ثمّة يوم عالميّ للمتبرّعين بالدم. لستُ من هؤلاء، غير أنّه لا بدّ من أن يكون الجميع معنيّاً بهذا اليوم الذي يمثّل من جهة تحيّة إلى كلّ من يسهم في إنقاذ حياة ما. قد تكون تلك حياةَ أيّ واحد منّا. ليس في الأمر محاولة لـ"التنظير"، إنّما مجرّد توصيف لأمر واقع ودعوة إلى "اكتراث ما". ربّما تُشجّعنا حملة هذا العام على ذلك، لا سيّما أنّها تأتي تحت عنوان "تزويد الجميع بدم مأمون". هي لا تستهدف المتبرّعين فحسب، إنّما تعبّر عن حرص وقلق على حياة كلّ واحد منّا وسلامته.
وفق ما تفيد منظّمة الصحّة العالميّة، الجهة المنظّمة لهذا اليوم، فإنّ التبرّع بالدم ينقذ ملايين الأرواح. وتحاول تلك المنظّمة حثّ أهل المعمورة جميعاً على الانخراط في ذلك الفعل الإنسانيّ، من خلال جعلهم مسؤولين - بطريقة أو بأخرى - عن حيوات غيرهم من البشر. مثلما هم مسؤولون عن حيوات الآخرين، فإنّ هؤلاء في المقابل مسؤولون عن حيواتهم. وتدخل غريزة الحياة في اللعبة. لا بدّ من انتهاز الفرصة، لا سيّما وأنّ تلك الغريزة تُعَد محرّكاً أساسيّاً للإنسان على كوكب الأرض، بحسب ما يقول هؤلاء الذين يحاولون الغوص في النفس البشريّة وكذلك الذين يحاولون سبر المجتمع وأحوال أهله. فعل الانتهاز ليس أمراً سلبيّاً هنا، فالهدف منه نبيل... إنقاذ الأرواح.
اليوم، ثمّة فرصة. مرّة جديدة لن تُتاح لي. مرّة جديدة سوف أشعر بما يشبه عجزاً وخجلاً، غير أنّني سوف أذكر هؤلاء الذين سرى دمهم في عروقي ذات يوم. تحيّة إلى هؤلاء... تحيّة إلى كلّ من انتهز الفرصة.