يُعاني آلاف المهاجرين المغاربة من أوضاع اجتماعية وأمنية صعبة في عدد من بؤر التوتر في العالم، خصوصاً في اليمن وليبيا، بسبب الاضطرابات الأمنية. إلا أن معاناة كثير من هؤلاء المهاجرين زادت بعدما أجلتهم السلطات المغربية من تلك البؤر وأعادتهم إلى بلدهم الأم.
وكان المغرب قد أجلى مئات من رعاياه من اليمن بسبب الحرب الدائرة هناك، وكان آخرهم 2720 مغربياً بين أغسطس/آب عام 2014 والشهر نفسه من العام 2015، بالإضافة إلى 116 مغربياً بين مايو/أيار ويوليو/تموز 2015. وعمدت السلطات المغربية أيضاً إلى إجلاء عدد كبير من رعاياها في ليبيا، بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة بعد رحيل الزعيم معمر القذافي، كان آخرهم 228 شخصاً.
والمغاربة الذين أجلوا من ليبيا، كانوا بأكثرهم يستقرون في مدينة الزاوية جنوب العاصمة طرابلس، ويعملون في حرف مختلفة. إلى ذلك، ثمّة آخرون كانوا من طرابلس، يعملون في الفنادق والبناء، وهم بأكثريتهم من مدن الدار البيضاء والجديدة والرباط وتمارة.
وتتولّى شركة الخطوط الجوية الملكية المغربية تأمين رحلات مباشرة من طرابلس إلى مطار محمد الخامس في الدار البيضاء، تقلّ عدداً من المهاجرين المغاربة في ليبيا، الهاربين من "جحيم" الأوضاع الأمنية السيئة، فيما ألغيت رحلات عديدة في وقت سابق بسبب الظروف غير المواتية للسفر جواً من مطار طرابلس.
اقرأ أيضاً: وزارة الأوقاف غنيّة والأئمة فقراء في المغرب
زكية (34 عاماً) كانت تعمل في إحدى الشركات في بنغازي الليبية. تقول لـ "العربي الجديد" إنها عادت إلى بلادها بسبب الشعور بعدم الأمان في عدد من المناطق في البلاد، فضلاً عن انتشار السلاح بشكل كبير، والذي صار في أيدي الصغار والكبار. تضيف أن البقاء في ليبيا بات صعباً للغاية. كل يوم يمر تحمد الله على بقائها حية وسالمة. تتابع أنه بعد عودتها إلى المغرب، عاشت فترة صعبة جداً، خصوصاً أنها اضطرت إلى بدء حياتها من جديد. أكثر من ذلك، فقد تعرضت إلى السرقة في ليبيا من طرف عصابة، وفقدت كل "تحويشة" عمرها التي جمعتها طيلة ثماني سنوات متواصلة، لتعود إلى وطنها وقد جلبت معها قليلاً من الثياب. واليوم، لا يمانع العمل كخادمة في أحد المنازل حتى تستطيع إعالة ابنيها اللذين تركتهما مع جدتهما في الدار البيضاء.
تُتابع المهاجرة المغربية أنه من الصعب أن يضطر أي شخص، بعد سنوات من العمل الشاق والعيش في الغربة، إلى العودة إلى بلده من دون أي شيء، إما لتعرضه للسرقة في بلد المهجر أو لترك ممتلكاته بسبب الظروف الأمنية السيئة. تماماً كما زكية، كان محمد بلدون قد عمل فترة طويلة في مهنة الجبص، وأقام في ليبيا قبل أن ترغمه ظروف العنف الدائر في البلاد على العودة إلى المغرب، وقد فضل العودة خائباً "بدلاً من العيش في بلد ينزلق كل يوم نحو الحرب الأهلية".
يقول لـ "العربي الجديد" إنه ادخر من عمله في ليبيا مبلغاً من المال، لكنه خسر جزءاً كبيراً منه بعدما اضطر إلى إعطاء مالاً لأشخاص وعدوه بالتوسط لمغادرة ليبيا باتجاه تونس ثم إلى المغرب. يضيف أنه حين عاد إلى وطنه، شعر بالغبن لأن "شقاء السنين" تبخر في لحظات.
تجدر الإشارة إلى أن عدداً من المهاجرين المغاربة الذين أجلوا من بؤر التوتر في العالم، خصوصاً من ليبيا واليمن، يعيشون ظروفاً صعبة إذ تركوا أموالهم ووظائفهم واضطروا إلى العودة "فارغي الجيوب" ومن دون مستقبل إلى بلدهم. وهو الأمر الذي يعرّضهم أحياناً للسخرية أو لنظرات الشفقة، وأحياناً إلى مد اليد للقدرة على الاستمرار. يُذكر أن الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة، أنيس بيرو، وعد بالعمل على مساعدة الناس الذين يعانون من اليأس والإحباط، من خلال خلق آلية للدعم النفسي لهذه الفئة.
تدابير اجتماعية
ويكشف بيرو أن عدد المهاجرين المغاربة العائدين من ليبيا وصل إلى أكثر من 10 آلاف شخص، مؤكداً أن الدولة تهتم بمواطنيها العائدين من بؤر التوتر، من خلال العناية بهم واتخاذ تدابير اجتماعية ملموسة، من قبيل مرافقة أبنائهم وتسجيلهم في المدارس وإتاحة الفرصة للطلاب بمتابعة دراساتهم في الجامعات المغربية.
اقرأ أيضاً: نساء متحرّشات في المغرب