عنف في تونس... أزمات اجتماعية تطفو على السطح

تونس
D8A6CEA0-1993-437F-8736-75AB58052F84
وليد التليلي
صحافي تونسي. مدير مكتب تونس لموقع وصحيفة "العربي الجديد".
14 أكتوبر 2017
AEE9F4F1-D7E7-41B3-ADB4-6A63A835E4BE
+ الخط -
تكثر في تونس الأخبار التي تنقل حوادث عنف بالجملة تُسجّل في كلّ مكان، في المدارس والمنازل وفي أماكن العمل وعلى الطرقات

يتساءل التونسيون يومياً "لماذا أصبحنا بهذا العنف ولماذا تطالعنا وسائل الإعلام يومياً بأخبار عن جرائم فظيعة تُرتكَب بوحشية غريبة؟ هل نحن بالفعل كذلك ولم نكن نعلم؟ هل كان الإعلام ما قبل الثورة لا يغطّي هذه الجوانب من حياتنا لتصوير البلاد وكأنّها جنّة سلام وأمان، في حين أنّ الغطاء رُفع اليوم وكُشِفت الحقيقة؟".

في أوائل شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل الجاري، أصدرت وزارة الداخلية التونسية بياناً يفيد بأنّ مدرسة ابتدائيّة في جهة حيّ خالد ابن الوليد القريب من تونس العاصمة، تعرّضت إلى حرق إحدى قاعاتها وبعثرة محتوياتها، قبل أن تُكتشَف هويّة مقترفي تلك العمليّة، وهم ثلاثة تلاميذ تراوح أعمارهم ما بين 11 و12 عاماً، أحدهم يدرس في المؤسسة التربويّة المذكورة والآخران كانا يدرسان فيها قبل أن ينتقلان إلى إحدى المدارس الأخرى. أضافت الداخلية أنّه بعد التحقيق مع هؤلاء التلاميذ بحضور أولياء أمورهم، "اعترفوا بأنّهم تعمّدوا خلع الأقسام وتدخين سجائر قبل القيام بعمليّة الحرق وبعثرة محتويات بعض الأقسام وسرقة 23 علبة من أوراق التصوير التي تعمّدوا إخفاءها وقد تمّ حجزها".

كذلك ذكرت تقارير إعلامية أنّ تلميذاً يبلغ من العمر 16 عاماً يقطن في منطقة السبيخة في ولاية القيروان (وسط) أقدم قبل أيام على الانتحار في منزل والدَيه بعد تناوله مادة سامة بسبب طرده من المدرسة، على أثر كتابته عبارات غير أخلاقية على جدرانها. وفي قضيّة أخرى، تمكّن أعوان فرقة الأبحاث والتفتيش في منطقة الحرس الوطني في منوبة، الأسبوع الماضي، من إلقاء القبض على "المنحرف" الذي طعن تلميذاً في ساحة معهد في حيّ شعبي في تونس العاصمة.



عنف عائلي

لكنّ الأخبار اليومية حول العنف لا تقتصر على الشباب والمدارس فحسب، وإنّما تتعداها إلى العائلات. وكشفت وزارة الداخلية في أكثر من بيان لها، عن جرائم فظيعة تُرتكَب داخل الأسر التونسية. في السياق، تمكّن أعوان الأمن في صفاقس من إلقاء القبض على رجل قتل زوجته طعناً بالسكين قبل أن يضرم النار في المنزل متسبباً في إحراق جثتها. كذلك تمكّنت من إلقاء القبض على رجل آخر قتل زوجته في إحدى ضواحي العاصمة، قبل أن يحاول الفرار إلى ليبيا. وأوضحت الداخلية أنّ الزوج سكب كميّة من البنزين على جثتها وأضرم النار فيها، على خلفية خلافات عائلية بينهما. وفي حادثة أخرى، ألقي القبض على مجرم قتل صديقه بـ 37 طعنة. إلى ذلك، كشفت فرقة الأبحاث والتفتيش التابعة للحرس الوطني في قرمبالية في محافظة نابل (شرق)، أنّ رجلاً عمد إلى احتجاز ابنته البالغة من العمر ثمانية أعوام في غرفة في ضيعة فلاحية، الأمر الذي أدّى إلى وفاتها. ولا تنتهي الأخبار مع إقدام مجموعة أشخاص في سوسة (شرق) على الاعتداء على أطباء وممرّضين وأعوان حراسة، بالإضافة إلى تهشيم معدات طبية في المستشفى حيث يعمل هؤلاء.

وتبيّن أرقام حديثة أنّ تونس تحلّ في المرتبة 53 عالمياً من بين 125 دولة مدرجة على قائمة خاصة بمؤشّر الجريمة العالمي لعام 2017، في حين تُسجَّل أكثر من 100 حالة عنف يومياً في المؤسسات التربوية مع عدد كبير من قرارات طرد التلاميذ على خلفيّة الانحلال الأخلاقي والعنف.

تجدر الإشارة إلى حالات أخرى من العنف تطاول المرأة خصوصاً، وقد سبق لوزيرة شؤون المرأة والأسرة والطفولة في تونس نزيهة العبيدي أن أكّدت أنّ "حالات العنف المسلّط ضدّ النساء والأطفال في تونس وصلت إلى أرقام مفزعة جداً". وكشفت الوزيرة أنّ "53 في المائة من النساء في تونس تعرّضنَ إلى أحد أنواع العنف خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2015، و78.1 في المائة (من نسبة 53 في المائة) تعرّضنَ للعنف للنفسيّ، و74.4 في المائة تعرّضنَ للعنف الجنسيّ، و41.2 في المائة للعنف الجسدي، وفق دراسة ميدانية حول العنف المبنيّ على النوع الاجتماعي في الفضاء العام أنجزها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسَين وتمكين المرأة".

لقطة من تظاهرة مناهضة للعنف ضد النساء (أمين الأندلسي/ الأناضول)


عنف كميّ
يقول المتخصص في علم الاجتماع وعضو المرصد التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عبد الستار السحباني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة 18 نوعاً من العنف حدّدها المرصد، من بينها العنف النفسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والأسرىّ (العائلة الضيّقة) والعائليّ (العائلة الممتدّة)"، مشيراً إلى أنّ "العنف تفاقم، وتفاقمه كميّ وليس كيفيّاً". ويوضح أنّ "المقصود بالعنف الكميّ هو أشكال العنف التي بقيت تقليدية لكنّها ارتفعت عددياً. فعمليات السطو مثلاً لا تحصل بالأسلحة النارية في تونس مثلما يحدث في بلدان أخرى، كذلك لا نجد مجموعات مسلّحة تقتحم فضاءات عامة وتنفّذ هجمات. بالتالي فإنّ تونس لم تصل الى هذا النوع من العنف".

ويلفت السحباني إلى أنّه "بات من الممكن تعرية العنف حالياً، في حين لم يكن ذلك مسموحاً قبل الثورة، إذ ثمّة تحرّر في تناول العنف عبر البحث والدراسة، ولم يعد من المواضيع المسكوت عنها". يضيف أنّ "العنف في تونس يبدو وكأنّه في ارتفاع، الأمر الذي يولّد شعوراً بالخوف وكأنّه لم يكن موجوداً في السابق، وهو أمر غير صحيح. فالعنف لطالما كان موجوداً، لكنّه لم يكن الحديث عنه مسموحاً".

ويتابع السحباني أنّ "قنوات التلفزة تقدّم العنف كحادثة وبطريقة مشوّهة وغير موضوعية"، ويشير إلى أنّ "المواطن لم يعد يستهلك المعلومة فقط بل بات بدوره منتجاً لها في ظلّ توفّر الإمكانات والحرية. فصار التونسي يتحدّث عن العنف على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يجعل العنف يتّخذ أشكالاً جديدة وأحياناً خطيرة، لجهة التضخيم. كذلك في إمكانه الترويج للمعلومة من دون التحرّي عنها والتأكّد منها".

ويشدّد السحباني على أنّ "تونس تمرّ بظرف استثنائي وأنّ المجتمعات التي تمرّ بأوضاع شبيهة، تتفاقم فيها أشكال العنف، لأنّ منسوب العنف يتزايد فيها وتصبح الدولة غير قادرة على منعه، وهو ما يفسّر ارتفاع نسبته". يضيف أنّ "ارتفاع نسبة العنف يعود إلى الوضع الاقتصادي الصعب، وأنّ التونسي يدرك معنى غلاء الأسعار، بالإضافة إلى الوضع الأمني غير المريح وهو ما يجعل الإنسان في حالة اضطراب. أمّا الطبقة السياسية، فلا تهتمّ بهذه المسألة، وصراعاتها وتجاذباتها باتت كذلك مصدراً للعنف". ويرى أنّ "تقديم بعض القوانين بطريقة مشوّهة، مثل الحديث عن قانون المصالحة ورموز النظام السابق مثل صهر (الرئيس المخلوع زين العابدين) بن علي، يسوّق كذلك للعنف".

أزمة قيم
يتحدّث السحباني عن "الهستيريا الجماعية التي يعيشها التونسيون على تلك الخلفيات، فدخلنا في أزمة قيم كبيرة". ويلفت إلى أنّ "المؤسسات التي من شأنها ضبط العنف، باتت مصدراً له، من قبيل المؤسسات التربوية والمؤسسات الترفيهية".

ويعدّد السحباني بعض "أشكال العنف التي برزت بصورة كبيرة في الفترة الأخيرة، ومنها العنف المادي والعنف اللفظي اللذَان باتا يمثّلان جزءاً من شخصية التونسي"، ويشير إلى أنّ هذَين العنفَين يُروَّج لهما في البرامج والمسلسلات وحتى في البرلمان". ويقول إنّ "ثمّة أنواعاً من العنف لا نتحدّث عنها كثيراً، مثل العنف المعنوي كاحتقار الآخر، والعنف الموجّه ضدّ المجموعات، والعنف الرمزي بين الأفراد".

ويلفت الخبير الاجتماعي إلى أنّ "العنف دائماً ما يُنسَب إلى الأوساط الفقيرة والمهمّشة، ويُقال إنّ العنف ذكوريّ، في حين أنّه معطى يشمل كل الفئات من دون استثناء. فثمّة عنف لفظيّ في العائلة من الأم تجاه أبنائها مثل الدعاء عليهم، وثمّة سرقات تنفّذها نساء، فيما تروّج أخريات للمخدرات. بالتالي، لا بدّ من دراسة شاملة لموضوع العنف والانخراط في خطة استراتيجية لاجتثاث أسبابه".

ذات صلة

الصورة
مسيرة احتجاجية في تونس للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، 25 يوليو 2024 (العربي الجديد)

سياسة

طالبت عائلات المعتقلين السياسيين في تونس بإطلاق سراحهم بعد مضي سنة ونصف سنة على سجنهم، وذلك خلال مسيرة احتجاجية انطلقت وسط العاصمة.
الصورة
مقبرة جماعية في منطقة الشويريف بطرابلس، 22 مارس 2024 (الأناضول)

مجتمع

أعلن المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك، الثلاثاء، أن مكتبه يتابع تقارير عن اكتشاف مقبرة جماعية في الصحراء على الحدود الليبية التونسية.
الصورة
مسيرات في تونس تنديداً بقصف خيام النازحين (العربي الجديد)

سياسة

شارك مواطنون تونسيون وسياسيون ومنظمات وطنية وحقوقيون، مساء اليوم الاثنين، في مسيرات في مدن تونسية تنديداً بالحرب على غزة، ولا سيما مجزرة رفح. 
الصورة
مسيرة في تونس ترفع شعارات الثورة التونسية، 24 مايو 2024 (العربي الجديد)

سياسة

رفعت شعارات الثورة التونسية "شغل حرية كرامة وطنية" في احتجاج شبابي في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس، تعبيراً عن رفض ما آلت إليه الأوضاع في البلاد.