تحت وطأة الفوضى الأمنية التي تعصف بالعراق، والسجال السياسي في أروقة المنطقة الخضراء، يجد شباب عراقيون فرصة لهم للابتعاد عن هذه الأجواء المشحونة بالقلق والترقب الحذر بهوايات دخلت حديثاً إلى العراق.
ومن تلك الهوايات ظاهرة "التفحيط" التي بدأت تأخذ مجالها في السنوات الأخيرة بين الشباب البغداديين بشكل لافت في بعض مناطق العاصمة، للابتعاد عمّا يدور في الشارع العراقي من أحداث ساخنة، وتقلبات أمنية، وأجواء مليئة بالخوف.
في حرم جامعة بغداد، يُسمع كل ليلة جمعة، هدير محركات السيارات المستعدة للتفحيط. تصطف في ساحة الحرم الجامعي ويبدأ سائقوها من الشباب بالضغط على محركات سياراتهم، لتصدر أصواتها الهادرة للفت انتباه المئات من الحاضرين.
ودخلت ممارسة التفحيط إلى العراق عام 2010، وانتشرت سريعاً بين الشباب على غرار ما يشاهدونه في دول الجوار لشغل وقت فراغهم، والهروب من واقعهم المقلق، كما وجدوا شعبية وجمهوراً عريضاً يتابعهم من الشباب.
حازم العبيدي (29 عاماً) يجهز سيارته الخاصة خلال أيام الأسبوع استعداداً ليوم التفحيط، يصطحب صديقه إلى المضمار، ويصطف في طابور السيارات بانتظار دوره.
يقول حازم "إنها فرصة للترفيه عن أنفسنا، والدخول في شيء من المغامرة عبر هذه اللعبة التي تنطوي على مخاطر بلا شك، ولكن ماذا نفعل البلد مشتعل وعلينا أن نخرج أنفسنا من هذا القلق المستمر".
ويضيف العبيدي لـ"العربي الجديد": "أصبح لدينا جمهور كبير، يتجمعون حول ميدان التفحيط في جامعة بغداد وينتظروننا بلهفة، وهذا يعطينا دافعاً معنوياً للاستمرار بالحياة رغم الكوارث التي تمر بها بلادنا".
وتثير سحب الدخان الناجمة من تفحيط المشاركين بسياراتهم على الإسفلت حماس الجمهور المتجمع حول المضمار.
واتسع جمهور هذه اللعبة في بداية عام 2013 مع إصرار الشباب على تطويرها، واصطحاب أصدقائهم إلى مضمار التفحيط، وتصوير أنفسهم ونشر مقاطع تسجيلية لتشجيع الجمهور على الحضور.
ولم يعد يخشى الشباب مخاطر التفحيط، بل صار ينطبق عليهم المثل العراقي الشهير "المبلل لا يخاف المطر".
ويوضح محمد سامي (33 عاماً) أن "الخوف من حوادث التفحيط لا يشكل أدنى تفكير لنا، فقد تعودنا على السيارات المفخخة والعبوات الناسفة طيلة 13 عاماً الماضية، وكما يقول المثل العراقي: المبلل لا يخاف المطر". ويتابع "هي فرصة للترفيه في ظل الكبت النفسي الكبير الذي نمر به كشباب في العراق، هذا البلد المشتعل بالحروب والصراعات الداخلية التي أتت على كل شيء، ولم يبق لنا سوى ممارسة هواياتنا للخروج من هذا الواقع الأليم".
وبحسب الجمهور والمشاركين لا توجد مضايقات أمنية على ميدان التفحيط المخصص للشباب سوى بعض التعليمات الصادرة من السلطات الأمنية العراقية في بغداد، والتي تقضي بأن يأخذ الشباب الحذر، وأن يبتعد الجمهور المتجمع عن المضمار خشية الحوادث.
ويقبل الشباب على التفحيط لعدم وجود وسائل ترفيهية في العاصمة تسمح لهم بقضاء أوقاتهم وتسلية أنفسهم، وأصبحوا يخشون التجمع في أماكن غير مؤمنة خشية هجمات قد تستهدفهم كما حصل قبل أسابيع لمشجعي أحد الأندية الأوربية في مقهى شمال بغداد.
ويطالب الشباب الحكومة العراقية بتخصيص ميدان للتفحيط، وتوفير إجراءات السلامة لإعطاء فرصة للشباب العراقيين بالترفيه عن أنفسهم وسط الحروب والصراعات التي أخذت كثيراً من أعمارهم.