قبل نحو عشرين يوماً، انطلق التلاميذ الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة في عامهم الدراسي الجديد بعدما تهيّؤوا له جيداً واشتروا مستلزماتهم المدرسية. في المقابل، ثمّة أطفال لم يلتحقوا بمدارسهم بعد، أمّا الأسباب فلا يراها أهاليهم مقنعة. هؤلاء لا يفهمون كيف يُحرَم أبناؤهم من التعليم.
شفاء أبو محسن في السادسة من عمرها، من مخيّم بلاطة للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وهي من الأشخاص المعوّقين الذين يحتاجون إلى رعاية متواصلة. وشفاء من عائلة متواضعة تحاول، من خلال كفاحها، أن توفّر لأطفالها كل متطلباتهم ومن ضمنها التعليم حتى يحصلوا على مستقبل لائق. وفي بداية هذا العام الدراسي الجديد، توجّهت شفاء إلى المدرسة التابعة لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) غير أنّ الوكالة رفضت تسجيلها، بذريعة أنّ عائلتها ليست مسجّلة في سجلّ اللاجئين لديها، وهو ما أثار استغراب العائلة.
يقول والد شفاء لـ"العربي الجديد": "لدينا مشكلة في كرت (بطاقة) المؤن. وفي كلّ عام، نواجه هذه المشكلة عند تسجيل أبنائنا في المدارس أو عندما يتعلق الأمر بالمؤن وبحقوقنا كلاجئين. لكنّ هذه المشكلة لم تكن تتفاقم، وكان مدير خدمات المخيّم يحلّها سريعاً، فيقدّم شهادته لوكالة أونروا ومفادها أنّنا عائلة لاجئة، فينتهي الأمر ونحصل على حقوقنا". يضيف أنّه "في هذا العام، نلاحظ أنّ الوكالة شددت كثيراً إجراءاتها، ولم تقبل بإفادة مدير خدمات المخيّم التي تثبت أنّنا لاجئون. وحتى اليوم، لم تُقبل شفاء في المدرسة".
تجدر الإشارة إلى أنّ ثلاثة إخوة وأختاً واحدة لشفاء تعلّموا في مدارس وكالة أونروا، وهو ما يثبت أنّ الوكالة كانت توافق على تعليمهم على الرغم من عدم تسجيلهم كلاجئين في سجلات الوكالة. ويعود ذلك إلى أنّ أجدادهم لم يتسجّلوا أملاً منهم بالعودة إلى بلدتهم التي هُجّروا منها. ويشير الوالد إلى أنّه لن يعمد إلى تسجيل ابنته في أيّ من المدارس الخاصة، لأنّ ذلك سوف يكلّفه مبالغ كبيرة لن يتمكّن من توفيرها. يضيف أنّه لن يقبل بإسقاط حقه وحق أطفاله وأبناء شقيقه، مشدداً على أنّه يتوجّب على وكالة أونروا أن تؤمّن لهم حقوقهم من دون عقبات.
ريان محمد أحمد البالغ من العمر ستّة أعوام، من هؤلاء الأطفال الذين لم تقبل وكالة أونروا إدخالهم إلى مدارسها. تقول والدته لـ"العربي الجديد": "لديّ ابن في الصف الرابع مسجّل في مدرسة تابعة للوكالة وقد التحق بالمدرسة من دون أيّ مشاكل. لكنّ ريان وبعدما التحق بالصف الأول لستة أيام، رفضت الوكالة أن يكمل تعليمه في المدرسة التابعة لها". وتؤكد الوالدة أنّ شقيق ريان الأكبر لم يواجه أيّ مشكلة عند تسجيله في المدرسة قبل أربعة أعوام، على الرغم من عدم امتلاك العائلة الوثيقة التي تثبت أنّها لاجئة والتي تسمح لها بالحصول على ما تقدّمه الوكالة من خدمات. لكنّ العائلة واجهت مشكلة هذا العام، وهو رفض تسجيل ابنها الأصغر ريان في مدارس الوكالة ومنحه حقه في التعليم.
يوضح منسق اللجنة الوطنية العليا لعودة اللاجئين الفلسطينيين، عماد الشتيوي، لـ"العربي الجديد" أنّ "عائلات فلسطينية عدّة هُجّرت في عام 1948، لم تقبل أن تُسجّل نفسها لدى وكالة أونروا، إذ إنّها كانت تأمل بالعودة إلى قراها الأصلية في وقت قريب. وقد رفضت تلك العائلات الحصول على أيّ مساعدات، وأصرّت على حقها في العودة، من دون أن تعلم أنّ العودة سوف تطول كثيراً. ولهذا السبب، فإنّ أفراد تلك العائلات لا يمتلكون اليوم بطاقة الوكالة التي تمكّنهم من أخذ حقوقهم".
ويشير الشتيوي إلى أنّ "وكالة أونروا ومن ضمن سياسات تقليص الميزانية المتواصلة من قبلها، منعت التلاميذ الذين لا يحمل أهاليهم بطاقات الوكالة، من دخول المدارس". ويوضح أنّه "جرى توثيق حالات 700 تلميذ في مخيمات قطاع غزة، و400 آخرين في مخيمات الشتات، بالإضافة إلى 69 (عدد تقديري حتى الآن) في مخيمات الضفة الغربية، وكلّهم محرومون من التعليم منذ بداية العام الدراسي الجديد".
وما يحصل مع شفاء أبو محسن وريان محمد أحمد يأتي بحسب ما يرى متضررون كثيرون، في سياق التقليصات المستمرة التي تنتهجها وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ضدّ أصحاب الحقّ الذين وُعدوا بحقوق كاملة من دون نقصان إلى حين عودتهم وحلّ قضيتهم. وسياسة التقليص لا تطاول التعليم فحسب، بل إنّها تُطبّق في مجالات الصحة والغذاء والعمل وكل الخدمات الأخرى التي تقدّمها الوكالة.