أطلق المجلس الوطني للبحوث العلمية واللجنة الوطنية لمنظمة "يونيسكو" من مقره في بيروت أمس الاثنين، "المرصد الوطني للمرأة في الأبحاث"-"دوركُ نَّ"، بهدف تعزيز مشاركة المرأة الباحثة في البحث العلمي.
وأطلقت فكرة المشروع الدكتورة تمارا الزين منسقة المرصد ومديرة البرنامج الوطني لمنح الدكتوراه، قبل أن يحتضنه المجلس الوطني للبحوث وتدعمه منظمة "يونيسكو". كما انعقدت المناسبة برعاية وحضور وزير الثقافة اللبناني محمد داوود.
وأوضحت الزين دوافع إطلاق المرصد، عارضة صوراً لباحثين تغيب فيها المرأة، في إشارة إلى البعد عن المساواة بين المرأة والرجل. كما بيّنت الزين أرقاماً عن واقع مشاركة النساء في البحث العلمي، وقالت: "في غياب بيانات رسمية تتعلق بوضع لبنان فإن الرقم الوحيد المتوفر هو نسبة طالبات الدكتوراه. بحثنا عن مؤشرات لدراسة واقع المرأة في لبنان وبدأنا بأرقام المجلس الوطني للبحوث والذي يغطي قسماً كبيراً من الأبحاث، فتبين أن 72 في المائة من منح الدكتوراه هي من نصيب فتيات، بينما 32 في المائة فقط من المشاريع الممولة هي لنساء باحثات فيما، و26 في المائة من الجوائز تمنح لسيدات باحثات".
وقالت الزين إن هذه الأرقام دفعتها للتساؤل ما إن كان هناك تسرب ما أو أن مشاركة النساء قليلة أو حضورهن غير فعال. وتابعت: "في مسألة الجوائز تبين أن نسبة النساء اللواتي تقدمن إلى الجوائز تبلغ 27 في المائة فقط. وقارنا في الجامعات عدد الباحثات بعدد العميدات ولحظنا الانخفاض الكبير بعدد العميدات نسبة إلى عدد الباحثات. كما تشكل السيدات غالبية طلاب الدكتوراه لكن النسبة تنخفض كلما صعدنا في المسار الوظيفي وهو مناقض لمسار الرجال".
وتابعت الزين "مهما كانت الأسباب والدوافع فالنتيجة أن ما يحصل هو هدر للطاقات العلمية وتغييب لإشراك المرأة في القرار العلمي، ويؤدي ذلك حتماً إلى إضعاف عائدات البحث العلمي والابتكار في لبنان". وأضافت "من هنا انطلقت فكرة إنشاء المرصد أهدافه والتي تتقاطع مع كثير من التزامات مجلس البحوث ويونيسكو، الملتزمين بفهم منظومة البحث العلمي وخدمتها بشكل أفضل بما يدعم أهداف التنمية المستدامة وخاصة المساواة".
وركزت على أن "تحسين مشاركة المرأة في بيئة البحث العلمي ولا تعني الحضور العددي، وإنما إيصال مساهمتها إلى حدها الأقصى، لأن هذه المساهمة ستساعد في الوصول إلى التنمية الاجتماعية وخلق المعرفة".
وعن خطة عمل المرصد، فقد قسمتها الزين على خمسة محاور تستهدف كل الشرائح المعنية بالبحث العلمي لدى السيدات.
ويشمل المحور الأول كل ما يتعلق بالتقييم والتقويم لوضع السيدات الباحثات وفهم واقعهن بشكل أفضل والخروقات التي حققنها على مدى الأعوام، والعوائق التي تواجههن خلال مسيرتهن البحثية والهدر الذي يحصل. إضافة إلى تعميم الإنتاج البحثي للسيدات من خلال أنشطة تسلط الضوء على إنجازات المرأة الباحثة.
ويتعلق المحور الثاني بمساهمة الباحثات الفعلية في البحث العلمي وإنتاج المعرفة، ما سيترجم بإطلاق أطلس الباحثات اللبنانيات وهو عبارة عن دليل يشمل تحاليل وتوصيات. ويهدف المحور الثالث إلى تمكين الفتيات في بداية مشوارهن العلمي. ويشمل المحور الرابع كل ما يتعلق بالدعم وبتخصيص برامج تمويلية خاصة للسيدات في كل مراحل حياتهن العلمية. أما المحور الخامس فيشمل حث الجامعات ومتخذي القرار بتعديل أنظمتهم بما يتلاءم أكثر مع تمكين المرأة وبالتالي مع البحث العلمي.
وعقدت في اللقاء طاولة مستديرة لمناقشة أهداف وبرنامج عمل المرصد. بدأ النقاش بسؤال مديرة سياسات التنمية المستدامة في منظمة "إسكوا"، رلى مجدلاني، عن أسباب التفاوت بالأرقام التي عرضتها الزين فرفضت التعليق عليها، مؤكدة أن وضع المرأة العربية أسوأ من وضع المرأة في بقاع أخرى من العالم، لكنها لفتت إلى ارتفاع نسبة مشاركة الشابات في الأبحاث.
كما لفتت نائبة رئيس جامعة القديس يوسف للبحث العلمي، دولا سركيس، إلى أن كل الاختصاصات بدأت "تتأنث" رافضة ربط المهنة بالجنس. في حين أشارت الدكتورة تيريز الهاشم إلى ترشحها لانتخابات الجامعة اللبنانية ونيلها عدد أصوات مساويا للعدد الذي ناله رئيس الجامعة الحالي فؤاد أيوب في حين تم استبعادها. وقالت الهاشم: "الثروة التربوية هي الوحيدة التي إن قمنا بتوزيعها تزداد وهي التي تعيد العدالة وتحقق الإنصاف". وأشارت الهاشم إلى دراسة قامت بها منذ حوالي ثلاثين عاماً أظهرت أن الإمكانات المتاحة للرجال الذين لم ينالوا شهادة هي أوسع من تلك المتوفرة للنساء اللواتي يملكن شهادات.
وفي حديث إلى "العربي الجديد"، أوضحت الزين أن المبادرة تعنيها على المستوى الشخصي كونها عندما أنجبت أطفالها في فرنسا سمح لها القانون بإجازة أمومة ستة أشهر وسمح لها بتمديدها مدة ثلاث سنوات. تتابع: "لدى إنجابي توقفت خمس سنوات عن متابعة مسيرتي المهنية. ولدى عودتي إلى لبنان لم يأخذ أحد بعين الاعتبار أني خلال سنواتي الخمس توقفت بسبب الإنجاب. بل اعتبروا أني أمضيت خمس سنوات دون إنتاج علمي واعتبروه ضعفاً في المسيرة المهنية".
وأضافت: "ليس هدفنا القول إن الوضع سيء ولا نريد حضور تجميلي للنساء، البعض فهم أن مباردتنا تهدف لتحقيق المساواة الكمية، لكننا نريد إشراك النساء بهدف الحصول على أكبر إنتاج معرفة منهن. سنبدأ من المجلس وسنحاول العمل مع الجامعات لإجراء تعديلات ولو بسيطة، ربما لن يستطيعوا التعديل في إجازة الأمومة لكن يمكن استخدامه كمؤشر للتميز المؤسساتي". وتعلن الزين أن المرصد بدأ بالتحضير للتدريبات وسيستمر بدراسة الإحصائيات وتحليلها.
وألقى أمين عام المجلس الوطني للبحوث الدكتور معين حمزة كلمة قال فيها: "لا يمكن الركون إلى فعالية دور العلم إلا ببناء منظومة تستقطب جهود وكفاءات كل مكونات المجتمع رجالاً ونساءً، وتوفير فرص عادلة للنساء تسد الفجوة الجندرية التي تعاني منها كل المجتمعات العلمية". وأشار حمزة إلى "التقصير اللبناني في التشريعات والقوانين المحددة للاستقرار الاجتماعي والأسري والترقية الأكاديمية والعلمية للنساء". ورأى حمزة أن أهم سبب لتراجع نسبة اللبنانيات في المراكز القيادية هو بعدهن النسبي عن مجتمع السياسيين والقيادات التي تتخذ قرارات التعيين في الجامعات مراكز البحوث.
في كلمته رأى وزير الثقافة محمد داوود، أن إطلاق المرصد مشروع رائد لتعزيز اسهام المرأة اللبنانية في حقل العلم والبحث وينسجم مع المستوى العلمي الذي بلغته المرأة اللبنانية.