كان الأهل يُسكتون أطفالهم أو يجبرونهم على النوم باكراً بإخافتهم من الضبع الذي "سيأتي ليأكلهم". فكان على الطفل إطاعة والديه في السكوت حتى يتمكن من سماع خطوات الضبع إذا اقترب، خصوصاً أنّ البيوت القديمة كانت في معظمها من طابق واحد وشبابيكها قريبة من الأرض. وفي القرى لم تكن تخلو حكايات المساء من الضبع والذئب والبطولات في قتلهما.
انتقلت هذه الحكايات إلى الأجيال التالية وفي نفس كلّ شخص خوف كبير من الضباع والذئاب، حتى إذا ما ذهب أحدهم إلى الصيد وصادف ضبعاً أو ذئباً فإنّه يسارع إلى اعتباره عدو الطفولة وإلى إطلاق النار عليه. ثم يضعه على مقدمة سيارته متباهياً بقتله وسارداً القصص البطولية حول استعداد الحيوان لمهاجمته. لكنّ الصياد يجهل أنّ الضبع المسكين أو الذئب التعيس لا يهاجم الإنسان إلاّ إذا وُضع في الزاوية ولا مفر له سوى المواجهة.
نسمع أو نشاهد حوادث قتل لخمسة أو ستة ضباع وذئاب سنوياً في لبنان، لكنّ ما لا نسمع عنه أعظم. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، ستنقرض الضباع والذئاب لا محالة من لبنان وتصبح بحد ذاتها حكاية من الماضي.
هؤلاء الذين وقعوا ضحية المعتقدات القديمة لا يعلمون أنّهم يقتلون حيوانات تنظف البيئة من الحيوانات النافقة، والحقول الزراعية من الجرذان والفئران التي تقضي على المحاصيل. وثمّة حيوان آخر يأكل الجرذان والفئران في الليل وهو طائر البوم. إنّه حتماً يخلّص المحاصيل من الآفات، لكنّ المعتقدات القديمة ظلمته ودفعته إلى التدهور بأنواعه الثمانية الموجودة في لبنان. كان الأجداد والآباء يصفون البوم بأنّه نذير شؤم، فإذا حطّ بالقرب من منزل ونعق، فإنّ أحد قاطني المنزل سيموت. كذلك كانوا يعتقدون أنّ البوم يأتي بالخراب لا لسبب إلاّ لأنهم كانوا يشاهدونه في البيوت المهجورة التي كان يلجأ إليها بحثاً عن الأمان وللاختباء أثناء النهار. كلّ ذلك أدى إلى اضطهاد البوم وقتله أينما وجد، ما يؤدي إلى انقراضه. انقراض تسهّله إقامة البوم في لبنان وعدم هجرته، فهو مجبر على البقاء تحت نيران البنادق حتى زواله.
إلى هذه الاعتقادات، ثمّة من يحمي الطيور ولو من دون قصد. فطائر السنونو يعشش في بلادنا ثم ينتقل جنوباً من أجل تمضية فصل الشتاء. وقد شاهده بعض الحجاج في مكة أثناء فترة الحج، ولما عادوا إلى بلادهم أخبروا أهلهم أنّ السنونو يزور مكة مثلهم وأطلقوا عليه اسم "حجيجة"، الأمر الذي دفع إلى الإحجام عن صيده. لكنّ هذا المعتقد لم يخدم طائر السنونو لدى تجار الطيور الذين يغشون لبيعه بأسعار عالية. فهم لا يتورعون عن حقن السنونو بالدهن الذائب تحت جلد الصدر، فيجمد الدهن ويصبح شكل السنونو، الذي لا يحمل عادة الدهن فوق عضلات صدره بسبب طيرانه الدائم المذيب للدهون، شبيهاً بعد نتف ريشه بعصفور التيّان الألذ طعماً والأغلى سعراً، فيبيعونه على هذا الأساس. لا لزوم هنا لنكمل حول النتائج، فلقد بدأت الدراسات العلمية تتحدث عن تناقص أعداد السنونو بصورة مستمرة ومخيفة.
*اختصاصي في علم الطيور البريّة
اقــرأ أيضاً
انتقلت هذه الحكايات إلى الأجيال التالية وفي نفس كلّ شخص خوف كبير من الضباع والذئاب، حتى إذا ما ذهب أحدهم إلى الصيد وصادف ضبعاً أو ذئباً فإنّه يسارع إلى اعتباره عدو الطفولة وإلى إطلاق النار عليه. ثم يضعه على مقدمة سيارته متباهياً بقتله وسارداً القصص البطولية حول استعداد الحيوان لمهاجمته. لكنّ الصياد يجهل أنّ الضبع المسكين أو الذئب التعيس لا يهاجم الإنسان إلاّ إذا وُضع في الزاوية ولا مفر له سوى المواجهة.
نسمع أو نشاهد حوادث قتل لخمسة أو ستة ضباع وذئاب سنوياً في لبنان، لكنّ ما لا نسمع عنه أعظم. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، ستنقرض الضباع والذئاب لا محالة من لبنان وتصبح بحد ذاتها حكاية من الماضي.
هؤلاء الذين وقعوا ضحية المعتقدات القديمة لا يعلمون أنّهم يقتلون حيوانات تنظف البيئة من الحيوانات النافقة، والحقول الزراعية من الجرذان والفئران التي تقضي على المحاصيل. وثمّة حيوان آخر يأكل الجرذان والفئران في الليل وهو طائر البوم. إنّه حتماً يخلّص المحاصيل من الآفات، لكنّ المعتقدات القديمة ظلمته ودفعته إلى التدهور بأنواعه الثمانية الموجودة في لبنان. كان الأجداد والآباء يصفون البوم بأنّه نذير شؤم، فإذا حطّ بالقرب من منزل ونعق، فإنّ أحد قاطني المنزل سيموت. كذلك كانوا يعتقدون أنّ البوم يأتي بالخراب لا لسبب إلاّ لأنهم كانوا يشاهدونه في البيوت المهجورة التي كان يلجأ إليها بحثاً عن الأمان وللاختباء أثناء النهار. كلّ ذلك أدى إلى اضطهاد البوم وقتله أينما وجد، ما يؤدي إلى انقراضه. انقراض تسهّله إقامة البوم في لبنان وعدم هجرته، فهو مجبر على البقاء تحت نيران البنادق حتى زواله.
إلى هذه الاعتقادات، ثمّة من يحمي الطيور ولو من دون قصد. فطائر السنونو يعشش في بلادنا ثم ينتقل جنوباً من أجل تمضية فصل الشتاء. وقد شاهده بعض الحجاج في مكة أثناء فترة الحج، ولما عادوا إلى بلادهم أخبروا أهلهم أنّ السنونو يزور مكة مثلهم وأطلقوا عليه اسم "حجيجة"، الأمر الذي دفع إلى الإحجام عن صيده. لكنّ هذا المعتقد لم يخدم طائر السنونو لدى تجار الطيور الذين يغشون لبيعه بأسعار عالية. فهم لا يتورعون عن حقن السنونو بالدهن الذائب تحت جلد الصدر، فيجمد الدهن ويصبح شكل السنونو، الذي لا يحمل عادة الدهن فوق عضلات صدره بسبب طيرانه الدائم المذيب للدهون، شبيهاً بعد نتف ريشه بعصفور التيّان الألذ طعماً والأغلى سعراً، فيبيعونه على هذا الأساس. لا لزوم هنا لنكمل حول النتائج، فلقد بدأت الدراسات العلمية تتحدث عن تناقص أعداد السنونو بصورة مستمرة ومخيفة.
*اختصاصي في علم الطيور البريّة