لم تعُد حالات الانتحار في المغرب مجرّد حوادث فردية، في ظل ارتفاع نسبتها في الآونة الأخيرة. اليوم، تحولت إلى ظاهرة، كما تؤكد مجموعة من الباحثين الاجتماعيين والمعالجين النفسيين، نسبة لعدد الحالات المسجلة يومياً. ويرى هؤلاء أن أسباب الظاهرة كثيرة، وهي اجتماعية ونفسية ودينية.
ولا يكادُ يمرّ يوم في المغرب من دون سماع خبر انتحار رجل أو امرأة أو طفل، ما بات يُقلق هؤلاء المراقبين الذين دقوا ناقوس الخطر، ودعوا إلى التصدي لهذه الظاهرة. وفيما لا توجد إحصائيات رسمية حول عدد المنتحرين في البلاد، إلا أن تقريراً سابقاً لمنظمة الصحة العالمية كان قد أشار إلى ارتفاع نسبة الانتحار في البلاد بنحو 97 في المائة خلال الأعوام الـ 12 الأخيرة. وتُشير أرقام منظمة الصحة العالمية إلى تفشّي هذه الظاهرة بين الرجال، وخصوصاً المسنين منهم، الذين يُقدمون على إنهاء حياتهم. ووصل معدل الانتحار بين هذه الفئة إلى 14.4 شخصا من بين مائة ألف نسمة عام 2012.
وبعيداً عن إحصائيات منظمة الصحة العالمية، تنشر الصحف المغربية يومياً أخباراً عن إقدام شباب وأحياناً أطفال على الانتحار. وتجدر الإشارة إلى أن الأمر لا يتعلق بالمستوى التعليمي. فالمنتحرون قد يكونون رجال أمن أو معلمين أو تجاراً وغير ذلك.
قبلَ فترة، ضجت وسائل الإعلام بخبر انتحار ثلاثة سجناء خلال فترة زمنية متقاربة، ما دفع بمنظمات حقوق الإنسان إلى دق ناقوس الخطر، والحديث عن مدى تأثير السجون على نفسية السجناء. فيما عزت إدارة السجن حالات الانتحار إلى أسباب اجتماعية. عدوى الانتحار هذه انتقلت من السجناء إلى الأساتذة في المدارس. وكان خبر انتحار عدد من أساتذة المدارس صادماً بالنسبة للمواطنين. أحد الأساتذة اختار الانتحار في بيته في مدينة بيوكري بواسطة قطع شرايين يده، فيما انتحر مدير مدرسة في مدينة بني ملال في مكتبه.
في هذا الإطار، يختارُ بعض التلاميذ وضع حد لحياتهم. أخيراً، نشرت وسائل الإعلام خبراً عن رمي تلميذة نفسها من علو شاهق في مدينة طنجة شمال البلاد، فيما اختارت أخرى تناول سم القوارض لإنهاء حياتها في إحدى ضواحي الرباط، بالإضافة إلى ثالثة حاولت الانتحار في مدينة القنيطرة، من خلال رمي نفسها من أحد الطوابق العالية في المدرسة، بسبب رسوبها في إحدى المواد.
أيضاً، يقدم رجال الأمن في المغرب على الانتحار. وسجلت حالات انتحار عدة بينهم في الآونة الأخيرة. ويعزو بعض المعالجين النفسيين الأمر إلى الضغوط النفسية، والعمل ساعات طويلة، بالإضافة إلى علاقتهم برؤسائهم.
وتقول أرقام المؤسسة الأمنية إن أكثر وسائل الانتحار المعتمدة في المغرب هي الشنق من خلال الحبال والأحزمة، وبنسبة 85 في المائة، يليها السم، والقفز من طوابق عالية، بالإضافة إلى الأسلحة النارية.
في السياق، تقول فاطمة (اسم مستعار)، التي تقطن في ضواحي الرباط، لـ "العربي الجديد"، إنها حاولت الانتحار مرتين من دون أن تُفلح في ذلك، بسبب وضعها الاجتماعي المتأزّم بعد وفاة زوجها، بالإضافة إلى تنكّر عائلتها لها، وعدم عثورها على عمل، وانسداد آفاق الحياة في وجهها.
أما فؤاد (في العقد الثالث)، فيقول إنه في أحد الأيام، قرر وضع حد لحياته من خلال تناول مادة سامة. إلا أن أسرته تمكنت من إنقاذه في آخر لحظة، ونقلته إلى المستشفى حيث خضع لغسيل معدة، مضيفاً أنه لم يلجأ إلى ذلك إلا بعد أن اسودت الدنيا في عينيه، بسبب أزمة عاطفية صعبة مرّ بها.
من جهته، يعزو المُعالج النفسي محمد قجدار تفشي ظاهرة الانتحار في المغرب إلى كثرة الأمراض النفسية بين المواطنين، وخصوصاً الاكتئاب والإحباط والوسواس وانفصام الشخصية وغيرها.
وتشير الأرقام إلى أن نحو نصف المغاربة يعانون من أمراض نفسية. ويؤكد أن الانتحار لم يعد يقتصر على كبار السن أو الفقراء فقط، بل يطال شريحة الشباب والأغنياء أيضاً. يضيف: "في الوقت الحالي، تلجأ جميع الفئات العمرية إلى الانتحار، نساء ورجالاً، ما يدل على أن العامل الذي يؤدي بهم إلى الانتحار نفسي بالدرجة الأولى".
وإلى العوامل التي يمكن أن تساعد المواطنين على عدم التفكير في الانتحار، يوضح قجدار أن "الإيمان قد يردع المغاربة عن الإقدام على الانتحار، وخصوصاً أنه يعد عاملاً مطمئناً"، لافتاً في الوقت نفسه إلى "ضرورة العلاج النفسي، وتحمل الحكومة مسؤولياتها، والعمل على تحسين ظروف المواطنين الاجتماعية".