بعدما احتدمت المواقف في مصر في أعقاب ثورة شاركت فيها، ولما اكتشفت أن حال البلاد لن ينصلح بإرهاصات ثورة تواجهها ثورة مضادة أقوى وأكثر شراسة وتنظيماً وتمويلاً، عزمت على الرحيل عن مصر.
كان ذلك نهاية عام 2011، ولا أعرف الآن إن كان قراري هذا منبعه وهن داخلي أم صدمة شخصية ممّا آلت إليه ثورة كنت أحد من يعتبرونها الحلم، أم فرار بنفسي وعقلي وما أؤمن به من أتون صراع ربما لن ينتهي قريباً.
كتبت وقتها، في سبتمبر/ أيلول 2011، أن الشعب المصري لم يؤمن يوماً بالثورة، وأنه لم يشارك فيها، وأن ما يشاع عن كونها ثورة شعبية ليس إلا محض أكاذيب، وكتبت أن تنحّي مبارك كان يفترض أن يكون انطلاق الثورة وليس ختامها، وكتبت أن ما فعله بنا المجلس العسكري الحاكم وقتها، خلال عام حكمه الأول، أسوأ كثيراً من أسوأ كوابيسنا.
وقتها كان رفاق الميدان يعتبرونني متشائماً، ويتهمونني بالسوداوية، وبعضهم من مدمني النظريات والتحليلات كانوا يرون ما يجري أمراً طبيعياً في ظل مجتمع وصل من الانحدار مرحلة متقدمة بثقافة مبتذلة وأخلاق تائهة ونخبة مأجورة، وأوضاع اقتصادية مهترئة.
حلمي في الهجرة حينذاك كان منصبّاً على إحدى دول جنوب أوروبا، هي دول قريبة من مناخنا، وأهلها يشبهون أهل سواحلنا. دول نامية والحياة فيها ليست باهظة لمن هم مثلي ممّن لا يملكون من الدنيا الكثير. عندها سقطت اليونان في فخ الإفلاس، ونزل اليونانيون الشارع محتجين ومطالبين بإقالة الحكومة، وتصدت قوات الأمن اليونانية للمتظاهرين وقتلت بعضهم واعتقلت آخرين، ليتبدد حلمي بالهجرة إلى جنوب أوروبا التي تعاني نفس مشكلاتنا من قمع واستبداد وفساد.
تحوّلت بوصلتي بعدها جنوباً. فكّرت في إحدى الدول العربية المنزوية الهادئة، وأعجبني النموذج الموريتاني. قرأت مطولاً عن موريتانيا المثقفة، وأهلها الطيبين الذين يحفظون القرآن والحديث، ويكتبون الشعر والنثر، ويعيشون على الفطرة. لكن صديقاً مقرّباً نبّهني إلى خطورة السفر إلى بلد الانقلابات، حيث شهدت موريتانيا 15 انقلاباً عسكرياً في نصف القرن الأخير، آخرها انقلاب 2005 الذي تلاه انقلاب 2008.
بعدها غادرت مصر إلى الخليج، معتبراً أنه نقطة انطلاق إلى حلمي بالالتجاء إلى مكان هادئ. كان الهدف الجديد إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة. كنت معجباً بأوكرانيا، وكان أصدقائي يرددون مقولتي: "أوكرانيا يا حياتي. تحياتي تحياتي"، لكن الزمان لم يمهلني فانقلب الحال في أوكرانيا واحتلت روسيا جزيرة القرم.
حتى الآن ما زلت في الخليج يطاردني حلمي. لكني لا أفقد الأمل في إيجاد المستقر. عسى أن يكون مصر.
إقرأ أيضاً: ماذا يريد العرب؟
كان ذلك نهاية عام 2011، ولا أعرف الآن إن كان قراري هذا منبعه وهن داخلي أم صدمة شخصية ممّا آلت إليه ثورة كنت أحد من يعتبرونها الحلم، أم فرار بنفسي وعقلي وما أؤمن به من أتون صراع ربما لن ينتهي قريباً.
كتبت وقتها، في سبتمبر/ أيلول 2011، أن الشعب المصري لم يؤمن يوماً بالثورة، وأنه لم يشارك فيها، وأن ما يشاع عن كونها ثورة شعبية ليس إلا محض أكاذيب، وكتبت أن تنحّي مبارك كان يفترض أن يكون انطلاق الثورة وليس ختامها، وكتبت أن ما فعله بنا المجلس العسكري الحاكم وقتها، خلال عام حكمه الأول، أسوأ كثيراً من أسوأ كوابيسنا.
وقتها كان رفاق الميدان يعتبرونني متشائماً، ويتهمونني بالسوداوية، وبعضهم من مدمني النظريات والتحليلات كانوا يرون ما يجري أمراً طبيعياً في ظل مجتمع وصل من الانحدار مرحلة متقدمة بثقافة مبتذلة وأخلاق تائهة ونخبة مأجورة، وأوضاع اقتصادية مهترئة.
حلمي في الهجرة حينذاك كان منصبّاً على إحدى دول جنوب أوروبا، هي دول قريبة من مناخنا، وأهلها يشبهون أهل سواحلنا. دول نامية والحياة فيها ليست باهظة لمن هم مثلي ممّن لا يملكون من الدنيا الكثير. عندها سقطت اليونان في فخ الإفلاس، ونزل اليونانيون الشارع محتجين ومطالبين بإقالة الحكومة، وتصدت قوات الأمن اليونانية للمتظاهرين وقتلت بعضهم واعتقلت آخرين، ليتبدد حلمي بالهجرة إلى جنوب أوروبا التي تعاني نفس مشكلاتنا من قمع واستبداد وفساد.
تحوّلت بوصلتي بعدها جنوباً. فكّرت في إحدى الدول العربية المنزوية الهادئة، وأعجبني النموذج الموريتاني. قرأت مطولاً عن موريتانيا المثقفة، وأهلها الطيبين الذين يحفظون القرآن والحديث، ويكتبون الشعر والنثر، ويعيشون على الفطرة. لكن صديقاً مقرّباً نبّهني إلى خطورة السفر إلى بلد الانقلابات، حيث شهدت موريتانيا 15 انقلاباً عسكرياً في نصف القرن الأخير، آخرها انقلاب 2005 الذي تلاه انقلاب 2008.
بعدها غادرت مصر إلى الخليج، معتبراً أنه نقطة انطلاق إلى حلمي بالالتجاء إلى مكان هادئ. كان الهدف الجديد إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة. كنت معجباً بأوكرانيا، وكان أصدقائي يرددون مقولتي: "أوكرانيا يا حياتي. تحياتي تحياتي"، لكن الزمان لم يمهلني فانقلب الحال في أوكرانيا واحتلت روسيا جزيرة القرم.
حتى الآن ما زلت في الخليج يطاردني حلمي. لكني لا أفقد الأمل في إيجاد المستقر. عسى أن يكون مصر.
إقرأ أيضاً: ماذا يريد العرب؟