للوهلة الأولى، يحسب قارئ الأرقام الأخيرة في الدنمارك حول الحبس الانفرادي، أنها عن دولة متخلّفة. ولذلك، يحذر الخبراء، ويطالبون بضرورة مراجعة هذه العقوبة المسيئة للنظام الديمقراطي وحقوق الإنسان.
كشفت أرقام "الهيئة العامة لتنفيذ العقوبات" في السجون الدنماركية في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، عن زيادة كبيرة في أعداد المعاقبين بالحبس الانفرادي، وهو ما أثار جدالاً كبيراً حول ما اعتبرته منظمات حقوقية انتهاكاً كبيراً لحقوق الإنسان، وإنذاراً حول زيادة في الأمراض الاجتماعية والنفسية.
سياسة العزل زادت بنسبة 37 في المئة منذ 2016 بحسب الهيئة. ويربط المحذرون من هذه الزيادات، بين التشريعات المتشددة منذ عامين بحجة "صرامة فرض النظام"، و"الأثمان الاجتماعية الباهظة بسبب وضع الآلاف في الحبس الانفرادي ولو لفترة قصيرة".
الانتقادات الكبيرة الموجهة إلى هيئة تنفيذ العقوبة، المسؤولة أيضاً عن سجون البلاد، لسماحها باستمرار الحبس الانفرادي، كعقوبة مطبقة داخل مختلف سجون الدنمارك، تصدر عن متخصصين في المجال. فقد اعتبرت الطبيبة ومديرة مركز "ديغنيتي" الحقوقي الدنماركي المكافح ضد التعذيب، كارين فيرلاند، أن "الحبس الانفرادي عقوبة تؤدي إلى مشاكل عقلية وحالة ذهان لدى المساجين".
اقــرأ أيضاً
ويطلق خبراء وحقوقيون على هذا الكشف، تسمية "الانفجار السلبي" في بلد إسكندنافي يتجه أكثر نحو تشديد قوانين العقوبات، وهو ما يعتبرونه "صادماً في دولة ديمقراطية تمارس هذا النوع من العقوبات الصارمة، بل هو مروع ومرعب"، وفقاً للبروفسور في جامعة "أوسلو" النرويجية بيتر شارف سميث، المتخصص في أبحاث السجون ودورها في معاقبة المجرمين في الدول الإسكندنافية. ما يصدم هذا الخبير أن عام 2017 وحده شهد أكثر من 4 آلاف حالة عزل في زنازين قاسية، "مع زيادة كبيرة في عدد أيام الحبس الانفرادي التي تتجاوز 15 يوماً، مقارنة مع 2015 الذي شهد فقط 7 قضايا".
هذا التشدد الدنماركي جاء بعد ارتكاب الشاب من أصول مهاجرة عمر عبد الحميد، في فبراير/ شباط 2015، هجوماً مسلحاً في كوبنهاغن استهدف معبداً يهودياً وندوة عن حرية التعبير، فمنحت السلطات القضائية صلاحيات لسلطات إنفاذ القوانين بالتشدد في السجون، خصوصاً في أعقاب الكشف عن موقوفين في القضية نفسها، تواصلوا مع العالم الخارجي عبر هاتف محمول هرّب إلى السجن.
في محاولة أخرى لما يسمى "فرض النظام بصرامة"، بعد موجة من العنف في شوارع كوبنهاغن نتيجة اقتتال شباب عصابات، أدت في تبادل إطلاق النار إلى مقتل وجرح عديدين، انتهجت السجون والمحاكم تشدداً في قضاء المدة كعقوبة، وهو ما يجري انتقاده على نطاق واسع منذ العام الماضي، إذ إن "مصلحة السجون لا تقوم بواجب الإصلاح وإعادة التأهيل بل معاقبة مخالفي القوانين، وهو ما يخالف دولة القانون" وفقاً لمركز "ديغنيتي".
تعتبر فيرلاند، أنّ ما يجري في بلدها يتعارض مع "توصيات لجنة الأمم المتحدة لوقف الزج بالمسجونين في الحبس الانفرادي. فقد ألغت السويد والنرويج ذلك النوع من العقوبة، بناءً على التوصيات، وما زال المشرعون في الدنمارك يقبلون بهذه العقوبة".
وكان البرلمان الدنماركي، إثر عملية كوبنهاغن، تبنى عام 2016 تشريعات عقابية، بحجة مكافحة "التوجه نحو الراديكالية الإسلامية داخل السجون" ضد من يعثر معه على هاتف محمول بشكل غير قانوني. ويمنح القانون المشدد سلطات السجون وضع السجين المخالف لأول مرة من 5 أيام إلى 15 يوماً في الحبس الانفرادي، ثم تزيد المدة في المرة الثانية إلى 21 يوماً، وفي الثالثة إلى 28 يوماً. تقول المتخصصة في علم الجريمة في جامعة "جنوب الدنمارك"، ليندا مينكا كيير، إنّه منذ تبني التعديلات الصارمة "انخفضت نسبة استخدام الهواتف المحمولة المهربة بنحو 60 في المئة، بالرغم من أنّ منفذي العقوبات لديهم رغبة شديدة في استخدام الهواتف للتواصل مع أفراد الأسرة خارج أسوار السجون".
اقــرأ أيضاً
في المقابل، تعتبر كبيرة الاستشاريين في مركز "ديغنتي" إيلنا سونداغورد، أن "ضرراً عميقاً يصيب نزلاء الانفرادي لأكثر من 22 ساعة في اليوم، وإن كانت أيام العزل قصيرة، وهي أضرار ستظهر على المدى الأطول". تتابع: "نحن أمام أضرار نفسية واجتماعية عميقة ومثيرة للقلق مع ارتباطها بالاكتئاب. وحين يطلق هؤلاء إلى المجتمع سيصبح من الصعب عليهم العيش حياة عادية أو استئناف علاقاتهم الاجتماعية، وهذا أيضاً يزيد مخاطر الانتحار".
في أحيان كثيرة يجري ربط هؤلاء، الذين يشك بأنّهم سيعرضون أنفسهم أو غيرهم للضرر، إلى أسرّة مخصصة طوال ساعات، حتى يهدأوا، قبل إعادتهم إلى زنازينهم، وهي ممارسة شائعة للمرضى النفسانيين أيضاً. الأضرار التي تصيب آلاف المواطنين في الدنمارك، ومن بينهم فئة شبابية كبيرة من أصول مهاجرة، تراها سونداغورد "تعاكس تماماً هدف الأحكام القضائية في دولة القانون، فلا يمكن أن يكون المغزى تحطيم البشر، بل أن يكتسبوا أدوات تساعدهم في التخلص من ممارسات تخالف القانون حين يفرج عنهم".
من ناحيته، يتفق مدير نقابة السجون كيم أوستربو مع ذلك الرأي، معتبراً أنّ "معاقبة المساجين فوق عقوبتهم الأصلية تعرضنا لمخاطر أن يصبح هؤلاء أكثر مناعة تجاه نتائج تصرفاتهم وأكثر برودة تجاه مجتمعهم". يشعر أوستربو بأنّ "العلاقة بين السجانين والمساجين يجري تدميرها من خلال استمرار هذا التشدد في معاقبة الأخيرين، ما يجعل من الصعوبة بمكان الوصول إلى الهدف الأصلي للعقوبة الإصلاحية".
اقــرأ أيضاً
من ناحية ثانية، يبدو أنّ هذا الجدال الذي خلقته الأرقام الكبيرة لوضع المساجين في الزنازين الانفرادية، بات يحرج حكومة يمين الوسط. واضطرت وزارة العدل إلى إعلان "تغيير شامل سيجري بعد مراجعة القوانين الحالية"، وشكلت لجنة مختصة لفحص "حاجة النظام إلى الإصلاح بعيداً عن بيروقراطية الإدارة، ليكون لدينا نظام عقابي تربوي" وفقاً لمدير الهيئة العامة لتنفيذ العقوبات في السجون الدنماركية، ثوركيلد فودا.
كشفت أرقام "الهيئة العامة لتنفيذ العقوبات" في السجون الدنماركية في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، عن زيادة كبيرة في أعداد المعاقبين بالحبس الانفرادي، وهو ما أثار جدالاً كبيراً حول ما اعتبرته منظمات حقوقية انتهاكاً كبيراً لحقوق الإنسان، وإنذاراً حول زيادة في الأمراض الاجتماعية والنفسية.
سياسة العزل زادت بنسبة 37 في المئة منذ 2016 بحسب الهيئة. ويربط المحذرون من هذه الزيادات، بين التشريعات المتشددة منذ عامين بحجة "صرامة فرض النظام"، و"الأثمان الاجتماعية الباهظة بسبب وضع الآلاف في الحبس الانفرادي ولو لفترة قصيرة".
الانتقادات الكبيرة الموجهة إلى هيئة تنفيذ العقوبة، المسؤولة أيضاً عن سجون البلاد، لسماحها باستمرار الحبس الانفرادي، كعقوبة مطبقة داخل مختلف سجون الدنمارك، تصدر عن متخصصين في المجال. فقد اعتبرت الطبيبة ومديرة مركز "ديغنيتي" الحقوقي الدنماركي المكافح ضد التعذيب، كارين فيرلاند، أن "الحبس الانفرادي عقوبة تؤدي إلى مشاكل عقلية وحالة ذهان لدى المساجين".
ويطلق خبراء وحقوقيون على هذا الكشف، تسمية "الانفجار السلبي" في بلد إسكندنافي يتجه أكثر نحو تشديد قوانين العقوبات، وهو ما يعتبرونه "صادماً في دولة ديمقراطية تمارس هذا النوع من العقوبات الصارمة، بل هو مروع ومرعب"، وفقاً للبروفسور في جامعة "أوسلو" النرويجية بيتر شارف سميث، المتخصص في أبحاث السجون ودورها في معاقبة المجرمين في الدول الإسكندنافية. ما يصدم هذا الخبير أن عام 2017 وحده شهد أكثر من 4 آلاف حالة عزل في زنازين قاسية، "مع زيادة كبيرة في عدد أيام الحبس الانفرادي التي تتجاوز 15 يوماً، مقارنة مع 2015 الذي شهد فقط 7 قضايا".
هذا التشدد الدنماركي جاء بعد ارتكاب الشاب من أصول مهاجرة عمر عبد الحميد، في فبراير/ شباط 2015، هجوماً مسلحاً في كوبنهاغن استهدف معبداً يهودياً وندوة عن حرية التعبير، فمنحت السلطات القضائية صلاحيات لسلطات إنفاذ القوانين بالتشدد في السجون، خصوصاً في أعقاب الكشف عن موقوفين في القضية نفسها، تواصلوا مع العالم الخارجي عبر هاتف محمول هرّب إلى السجن.
في محاولة أخرى لما يسمى "فرض النظام بصرامة"، بعد موجة من العنف في شوارع كوبنهاغن نتيجة اقتتال شباب عصابات، أدت في تبادل إطلاق النار إلى مقتل وجرح عديدين، انتهجت السجون والمحاكم تشدداً في قضاء المدة كعقوبة، وهو ما يجري انتقاده على نطاق واسع منذ العام الماضي، إذ إن "مصلحة السجون لا تقوم بواجب الإصلاح وإعادة التأهيل بل معاقبة مخالفي القوانين، وهو ما يخالف دولة القانون" وفقاً لمركز "ديغنيتي".
تعتبر فيرلاند، أنّ ما يجري في بلدها يتعارض مع "توصيات لجنة الأمم المتحدة لوقف الزج بالمسجونين في الحبس الانفرادي. فقد ألغت السويد والنرويج ذلك النوع من العقوبة، بناءً على التوصيات، وما زال المشرعون في الدنمارك يقبلون بهذه العقوبة".
وكان البرلمان الدنماركي، إثر عملية كوبنهاغن، تبنى عام 2016 تشريعات عقابية، بحجة مكافحة "التوجه نحو الراديكالية الإسلامية داخل السجون" ضد من يعثر معه على هاتف محمول بشكل غير قانوني. ويمنح القانون المشدد سلطات السجون وضع السجين المخالف لأول مرة من 5 أيام إلى 15 يوماً في الحبس الانفرادي، ثم تزيد المدة في المرة الثانية إلى 21 يوماً، وفي الثالثة إلى 28 يوماً. تقول المتخصصة في علم الجريمة في جامعة "جنوب الدنمارك"، ليندا مينكا كيير، إنّه منذ تبني التعديلات الصارمة "انخفضت نسبة استخدام الهواتف المحمولة المهربة بنحو 60 في المئة، بالرغم من أنّ منفذي العقوبات لديهم رغبة شديدة في استخدام الهواتف للتواصل مع أفراد الأسرة خارج أسوار السجون".
في المقابل، تعتبر كبيرة الاستشاريين في مركز "ديغنتي" إيلنا سونداغورد، أن "ضرراً عميقاً يصيب نزلاء الانفرادي لأكثر من 22 ساعة في اليوم، وإن كانت أيام العزل قصيرة، وهي أضرار ستظهر على المدى الأطول". تتابع: "نحن أمام أضرار نفسية واجتماعية عميقة ومثيرة للقلق مع ارتباطها بالاكتئاب. وحين يطلق هؤلاء إلى المجتمع سيصبح من الصعب عليهم العيش حياة عادية أو استئناف علاقاتهم الاجتماعية، وهذا أيضاً يزيد مخاطر الانتحار".
في أحيان كثيرة يجري ربط هؤلاء، الذين يشك بأنّهم سيعرضون أنفسهم أو غيرهم للضرر، إلى أسرّة مخصصة طوال ساعات، حتى يهدأوا، قبل إعادتهم إلى زنازينهم، وهي ممارسة شائعة للمرضى النفسانيين أيضاً. الأضرار التي تصيب آلاف المواطنين في الدنمارك، ومن بينهم فئة شبابية كبيرة من أصول مهاجرة، تراها سونداغورد "تعاكس تماماً هدف الأحكام القضائية في دولة القانون، فلا يمكن أن يكون المغزى تحطيم البشر، بل أن يكتسبوا أدوات تساعدهم في التخلص من ممارسات تخالف القانون حين يفرج عنهم".
من ناحيته، يتفق مدير نقابة السجون كيم أوستربو مع ذلك الرأي، معتبراً أنّ "معاقبة المساجين فوق عقوبتهم الأصلية تعرضنا لمخاطر أن يصبح هؤلاء أكثر مناعة تجاه نتائج تصرفاتهم وأكثر برودة تجاه مجتمعهم". يشعر أوستربو بأنّ "العلاقة بين السجانين والمساجين يجري تدميرها من خلال استمرار هذا التشدد في معاقبة الأخيرين، ما يجعل من الصعوبة بمكان الوصول إلى الهدف الأصلي للعقوبة الإصلاحية".
من ناحية ثانية، يبدو أنّ هذا الجدال الذي خلقته الأرقام الكبيرة لوضع المساجين في الزنازين الانفرادية، بات يحرج حكومة يمين الوسط. واضطرت وزارة العدل إلى إعلان "تغيير شامل سيجري بعد مراجعة القوانين الحالية"، وشكلت لجنة مختصة لفحص "حاجة النظام إلى الإصلاح بعيداً عن بيروقراطية الإدارة، ليكون لدينا نظام عقابي تربوي" وفقاً لمدير الهيئة العامة لتنفيذ العقوبات في السجون الدنماركية، ثوركيلد فودا.