بدأ الكلام في البلدان العربية، ليس من الناجيات أنفسهنّ ربّما، لكنّ المهم أنّه بدأ. ففي العامَين الماضيَين تحرّكاتٌ وحملاتٌ ضدّ كلّ أشكال التحرّش والعنف الجنسي من لبنان إلى مصر والمغرب والأردن وتونس وفلسطين وغيرها. منذ ذلك الحين حتى اليوم، يمكن القول إنّه باتت للنساء بيئة داعمة تشجعهنّ على الإخبار عن تعرّضهنّ لتحرّش جنسي أو اغتصاب أو استغلال، سواءً داخل المنزل أو في الأماكن العامة.
أوّل ما يتبادر إلى ذهن المواطن العادي حين تُلفظ أمامه كلمة اغتصاب، هو مشهد امرأة أو طفلة تتعرّض لتحرّش أو لاغتصاب في مكان عام في ساعة متأخّرة من الليل. لكنّ هذا الانطباع ثَبُت أنّه خاطئ، على أقلّ تقدير في مجتمعاتنا. ففي واقع تعرّض النساء للتحرش والاغتصاب، تشير المشاهدات الميدانية إلى أنّ النساء والفتيات غالباً ما يتعرّضنَ للتحرّش و/أو الاغتصاب من شخص يعرفنه. وفي حالات كثيرة من التحرّش بالأطفال جنسياً، يكون المعتدي من داخل الأسرة سواءً النواة أو الممتدة. لم تُرفد هذه الاستنتاجات الميدانية الأوليّة بأرقام أو بإحصاءات، إلا أنّ منظمات المجتمع المدني النسويّ والحقوقيّ تعمل على كشف الغطاء عن هذا البعد من المشكلة.
واليوم، تأتي الحملة العالمية التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم #أنا_أيضاً بأفضل توقيت ربّما، إذ تعمل منظمات المجتمع المدني في مختلف البلدان العربية على كشف الغطاء عن حجم المشكلة التي لطالما كانت في عتمة، فيما الإحصاءات والأرقام حولها غير حقيقية ولا تعكس الحجم الحقيقي للمشكلة.
في إحصاء أعدّته منظمة "أبعاد" في لبنان هذا العام، تبيّن أنّ نحو ستّة في المائة من الشعب اللبناني يعرف امرأة واحدة على أقلّ تقدير، نجت من اعتداء جنسي وتحديداً من اغتصاب. وفي الولايات المتحدة الأميركية، وبسبب موجة #أنا_أيضاً وبحسب إحصاءات "فيسبوك"، فإنّ 45 في المائة من السكان هناك هم "أصدقاء" مع شخص أو امرأة شاركت قصتها تحت هذا الوسم.
إلى ذلك، تتفاوت ردود الفعل الحكومية حيال بروز هذه القضية بين بلد وآخر. ففي الوقت الذي كانت فيه ردود فعل قطاعَي الأمن والسياحة في مصر تخشى وتتخوّف من أن "يضرّ ذلك بسمعة مصر الدولية"، فإنّ لبنان على سبيل المثال ماضٍ قدماً في تشريع حماية النساء من كل أشكال التحرّش الجنسي في الأماكن العامة. فبعد إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني، تدرس الحكومة حالياً مشروع قانون تقدّم به وزير شؤون المرأة جان أوغاسبيان، على أمل أن يؤثّر هذا التغيير في القوانين على الثقافة والممارسة الشعبية والثقافية في مجتمعاتنا. وحتى ذلك الحين، نتمنّى استمرار أثر الدومينو.
*ناشطة نسوية