يتحسر الجزائري، سيد علي معمر (71 سنة)، وربما هو أقدم سكان الحي، على الماضي، يتذكر تاريخ الحي وسكانه، ويبكي جيرانه السابقين سواء من ارتحل منهم أو من رحل عن الدنيا، بعضهم يزوره كلما سنحت الظروف.
عندما يتحدث معمر عن الحي الذي ولد وترعرع فيه، فكأنه يحكي عن رحلة إلى مكان جميل، رغم أنه يحكي عن الحي الواقع في قلب العاصمة الجزائرية، والذي التصقت به التسمية الفرنسية السابقة، وعرف كثيراً من الحكايات التي ارتبطت بسكانه السابقين والحاليين، أهمها قصة عشرات المستعمرين الذين سكنوا تلك العمارات المتراصة التي بنيت بالحجارة المضادة للزلازل.
يطلق على الحي أيضا اسم "ديار المحصول"، وتم تشييد أولى عماراته سنة 1954، واحتضن العشرات من ثوار الجزائر والمتمردين على الاستعمار الفرنسي، فضلا عن العديد من الشخصيات السياسية، من بينها عائلة رئيس الحكومة الجزائري السابق، أحمد أويحي، وغيره من الأشخاص الذين يحنون إلى بيوت ترعرعوا فيها.
وضع بائس
يقول السيد محمد واعدي، وهو من سكان الحي، لـ"العربي الجديد"، إن وضع الحي اليوم بائس وحزين لأنه يودع في كل مرة ساكنيه ويأتيه سكان جدد، لافتا إلى أنه قبل ثلاثين سنة كان هناك مصب لتربية السمك تطل عليه العمارات وسط الحي، وأصبح اليوم مكبا عشوائيا للنفايات.
وبشهادة كثير من سكان "الكونفور" أو سكان الأحياء المجاورة مثل "المدنية" و"السعادة"، يعتبر الحي من أجمل أحياء الجزائر لتربعه على موقع استراتيجي يضم العديد من أشجار النخيل، وهو مكان يرتاح فيه بوضوح خليج الجزائر، ولم يتغير رغم هجران عديد العائلات من سكانه الأصليين.
يقول نور الدين، وهو أحد أبناء الحي لـ"العربي الجديد"، إن "الكونفور" تعني بالفرنسية "الراحة"، وحقا هو حي مريح يطل على خليج الجزائر ويقع في جانبه الشمالي المعلم التاريخي "مقام الشهيد"، ومتاحف التاريخ الجزائري، "هو قطعة من الجنة على الأرض"، حسب قوله.
ويضيف "الكونفور كان جميلا، لكن اليوم هجره سكانه الأصليون وتركوا إما أبناءهم أو باعوا سكناتهم وخرجوا من قلب العاصمة نحو أحياء أكثر اتساعا أو فيلات، أو هاجروا من البلاد".
اللافت أن "الكونفور" من الأحياء التي سكنها الفرنسيون خلال احتلال الجزائر، حيث قدم العشرات منهم لزيارة الحي، وطلبوا دخول البيوت التي ولدوا فيها، ولم ترفض العائلات دخولهم بل منحتهم فرصة استذكار ماضيهم، خصوصا أن أغلبيتهم غادروا الجزائر بعد الاستقلال في أعقاب احتلال دام 130 سنة (1830- 1962)، ولم تتجاوز أعمارهم وقتها مرحلة الطفولة.