في أطراف مدينة سطيف، شرق العاصمة الجزائرية، صار له بيت وأسرة. يقول: "لا شيء يختلف هنا في العيد سوى الأهل والأقارب الذين نفتقدهم، لكن هيهات. هنا وجدنا تكافلاً ورحمة وتآزراً معنا، خصوصاً في شهر رمضان وأيام العيد".
بسام وزوجته ربى وطفلاه وائل ونور أصبحوا اليوم أسرة جزائرية بدم سوري. هم جاؤوا من مدينة الرقة السورية، ويتابعون اليوم حياتهم، يوماً بيوم، على حد تعبير بسام، الذي وجد عملاً في أحد المصانع الخاصة في الشرق الجزائري. يعلق: "الأهم أن أجد قوت يومي وأطعم زوجتي وابنيّ". استأجر بيتاً صغيراً له وللأسرة. وبالرغم من بدايتهم الصعبة "باتت الحياة عادية بعيداً عن الأرض الأم سورية"، تقول ربى لـ"العربي الجديد".
العيد يوقظ دائماً البركان النائم.. يوقظ الأفراح والأحزان.. فقد أعاد إلى ذاكرة ربى أعياد حلب ودمشق والرقة وغيرها من المدن التي باتت اليوم ركاماً، ولم يبقَ منها سوى الأنقاض والذكريات. تقول: "العادات تختلف بيننا وبين الجزائريين، لكن نتفق في الكعك والعيدية.. تضحك تارة وتبكي طوراً وهي تتذكر تلك اللحظات من عمرها التي تشكل مأساة اللجوء السورية.
في صبيحة العيد، أدت الأسرة كاملة الصلاة في أحد مساجد المدينة، وتلقت التهاني من المصلين ومن الجيران ومن أصدقاء الطفلين. كما تبادلت الأسرة الحلويات مع بعض الجيران، في لفتة تدخل في إطار عادات الجزائريين. وجاد الكثيرون بدراهم العيدية على الطفلين. وجهة الأسرة الصغيرة كانت مدينة الألعاب بعد الصلاة، كي يتسنى للولدين اللعب والفرح والصراخ كما يحلو لهما في هذا العيد، بالرغم من أنه غير الأعياد الأخرى، بحسب الوالدين.
في السابق، كانت للعيد نكهة أخرى، بحسب ما يقول إياد، وهو لاجئ سوري أيضاً، يقيم مع زوجته وابنته الوحيدة في إحدى المدن الجزائرية. لكنّ الجزائر بالنسبة له هي محطة عبور فقط، فهو يطمح إلى الأفضل، ويتمنى أن تسير الأمور أفضل مما يتصور، فحلمه أن تتمكن ابنته من مواصلة دراستها وأن يعيشوا من دون خوف أو قلق. يقول لـ"العربي الجديد": "لا ننكر أفضال الجزائريين علينا، فهم لم يتركونا في فترات الشدة، لكننا على يقين أنّ حالنا لن تكون أفضل إلا بالعودة إلى سورية، أو الهجرة بلا رجعة ونسيان الماضي".
الذكريات تعود بقوة في المناسبات الدينية، ويعود معها الحنين إلى الوطن الأم بالنسبة لكلّ مغترب عن بلده أو مهجّر، بحسب باسل (23 عاماً). يقول لـ"العربي الجديد": "العيد له طعم إن كان مع العائلة الكبرى؛ مع الأهل والأقارب والجيران وأصدقاء الطفولة والشباب".
يضيف: "تركت هناك في دمشق كلّ شيء. أنا اليوم هنا ولا أعرف أين سأكون غداً وبعد غد.. لا مستقبل لنا، بالرغم من أنّنا لا نشعر بالغربة في الجزائر، لكن تبقى سورية الوطن الأم".
الكثير من العائلات السورية تمكنت من التأقلم مع السكان الجزائريين في مختلف المدن والولايات، وهناك من وجد عملاً، فيما منحت الحكومة الجزائرية لأبنائهم فرصة إتمام الدراسة في المدارس الحكومية. مع ذلك، يحن السوريون في مثل هذه المناسبات الدينية والأعياد إلى نكهة بلادهم التي يفتقدونها أينما حلّوا. وهو ما يعمّق من جراحهم ويعيد إليهم شريط الماضي وما تركوه وراءهم هناك في سورية.