مقاربة المنظمات الحقوقية الدولية، لا سيما منظمات الأمم المتحدة، واضحة في رفض عقوبة الإعدام. فهذه العقوبة تُتخذ ذريعة في كثير من الأحيان لقتل الأبرياء من جهة، وكذلك في كونها عقوبة غير إنسانية وغير عادلة، إذ إنّ بعض "الجرائم" التي تودي بمرتكبها إلى الإعدام في بلد معين تختلف عن بلد آخر.
هذه المقاربة هي الأساس الذي تدور في إطاره المطالب الحقوقية حول العالم بإلغاء الإعدام، وقد نجح ذلك في معظم الدول، إذ ألغي الإعدام من القوانين بالكامل في 104 دول بنهاية عام 2016، أو أبقي النصّ مع عدم الحكم به في دول أخرى، أو أبقيت الأحكام لكن من دون تنفيذها فعلياً في فئة ثالثة من الدول.
في هذه المقاربة ما يكشف عن دور للسلطة في تنفيذ أحكام الإعدام، مع ما في ذلك من إخضاع لذلك الحكم - كما غيره - إلى الاستنسابية والانحياز والتمييز والنفعية والشعبوية والأيديولوجيا وكلّ ما يختفي تحت مظلة الفساد الكبيرة، خصوصاً في الأوطان القابعة تحت سطوة الأنظمة المتسلطة.
لكنّ الإعدام وغيره من الممارسات السلطوية لتلك الأنظمة - التي كثير منها يروج لنفسه على أنّه يكفل حقوق الإنسان بحسب الشرعة الدولية - ما هو إلّا مهرب من الواقع الاجتماعي باتجاه التخدير. فالإعدام عقاب للمجرم. والمجرم هو المجرم المسؤول المباشر عن أفعاله. لكن، هل هو مسؤول فعلاً عن أفعاله أم إنّ هناك شركاء له ومحرضين بل مشكلين لشخصيته الإجرامية، أو حتى للحظته "الانفعالية" تلك؟ لا يهمّ عادة، فالدم ديّته الدم، وبدلاً من انتشار الثأر بين الناس فيفلت عن أيّ سيطرة، خصوصاً في جرائم القتل، تتدخل السلطة بكامل عنفوانها، وتعدم المجرم باسم "العدالة" فتهدأ النفوس.
الجرائم محددة وواضحة في قانون العقوبات، لكن، هناك اجتهادات وفتاوى ومداولات كثيرة بخصوص أشكالها تدور بين أهل القضاء والمحامين في كلّ قضية قد تمتد سنوات. الأمور واضحة جداً للسلطة وأجهزتها والجماهير الخاضعة لها، كلّها تدور حول فعل وردّ فعل، بصرف النظر عن كلّ الاستعراضات الأخرى المتعلقة بتحقيقات ودفاع وإعلام وحشد وغير ذلك. هي تتعامل مع سطح الأمور لا غير، فلا تغوص في العمق، ولا يهمها غالباً كيف بات المجرم مجرماً وكيف تهيأت له ظروف الإجرام وما هو الموقف لحظة الجريمة ولماذا يملك أداة جريمة أساساً.
الغوص في العمق يعني الغوص في الوجبة التربوية المقدمة يومياً للمواطن بدءاً من طفولته في بيته ومدرسته ومحيطه الاجتماعي وصولاً إلى وسائل الإعلام والاتصال والمعلومات وأماكن العبادة ومراكز الترفيه. وبالتأكيد، فالإعدام مهرب أسهل بكثير من كلّ ذلك الغوص، ولو أنّه لن يوقف الجرائم أو يمنع وقوع الضحايا إذا ما وصلت السوسة إلى جذور المجتمع.