قام محمد منذ الصباح الباكر بجلب الفطور ومحاولة البحث عن مياه نظيفة للشرب من أجل إعداد الشاي، وهو يستعد للذهاب إلى العمل مع شقيقه الأكبر عمر في محل الحلاقة بمدينة دوما في غوطة دمشق المحاصرة.
اجتمعت العائلة على وجبة الفطور مستغلة الصباح الهادئ؛ إذ من النادر أن يحدث ذلك في الغوطة. قضم محمد أول لقمة من سندويشته، ثم الثانية، غير أن النظام لم يترك له فرصة من أجل بلع تلك اللقمة، فبدأت الصواريخ تنهال حول المنزل.
فرّ الجميع إلى مكان اعتقدوا أنه آمن في المنزل. سقطت حولهم عشرات الصواريخ. شعروا بالامتنان لأن الصواريخ لم تأت في قلب المنزل. كان والد محمد يحضن الجميع خوفاً. صمت محمد ولم ينطق بأي كلمة، وعندما نظرت إليه أمه اكتفى بالإشارة بيده إلى المنطقة الحساسة من جسمه. أصيب بشظية في خصيتيه، وخجل من قول ذلك.
صرخت الأمّ مذعورة على فلذة كبدها المضرّج بالدماء، فيما حمله شقيقه الأكبر عمر وركض حافياً في الطريق باحثاً عن وسيلة لإسعافه. عثروا على دراجة نارية في الطريق وبعد عناء مع ركام القصف المنتشر في أنحاء المدينة وصلوا إلى المستشفى الميداني.
يتحدث عمر السرميني لـ"العربي الجديد" عن هول الصدمة، وكيف أنه لم يستوعب ما حدث، وكيف أصيبت العائلة كلها بالذعر، بعد إصابة شقيقه الصغير.
يقول بمرارة: "قبل يوم من الحادثة كنت ألاعبه. قمت بعضّه في وجهه ممازحاً. عندما كان على سرير الإسعاف رأيت آثار العضة. وعندما فتح فمه كانت لقمة الطعام لا تزال عالقة ولم يبتلعها من الخوف. تجمّع الأطباء من حوله. توقف قلبه في أول مرة، لكنهم تمكنوا من إعادة نبضه. أربع مرات حدث ذلك. وضعوا له عدة وحدات من الدم لكنهم لم يتمكنوا من إنقاذه".
"لم تفلح كل محاولاتي في إعادة شقيقي الوحيد. أبي لم يره. كان ألمه كبيراً ولا يوصف، وأصابته ذبحة قلبية في وقت لاحق". يضيف عمر: "ودّعه أهلي تحت القصف. كان القدر مؤلماً. لا أستطيع التفكير كيف دفنته".
عمل الطفل محمد مع شقيقه عمر في صالون الحلاقة بمدينة دوما وتعلم الكثير على الرغم من صغر سنه، كما أنه كان يتكلم اللغة الإنكليزية بشكل جيد، وكان من المتفوقين في مدرسته.
يتحدث عمر عن معاناته بعد فقدانه لشقيقه محمد الذي كان سنداً له في الكثير من الأعمال. "صار رجلاً قبل أوانه" يقول، ويُحمّل نفسه مسؤولية التقصير في إسعاف شقيقه، الذي كان خجله سبباً في عدم معرفة مكان الإصابة مباشرة. لكن عمر لم يسأله عن مكان الإصابة حمله مباشرة وركض به.
يقول: "كان علي أن أعرف مكان الإصابة بالتحديد لأربط مكان الجرح قبل إسعافه. كمية الدماء التي فقدها كانت سبباً في فقدانه حياته. أنفاسه التي كنت أشعر بها على وجهي وأنا أحمله لا تفارقني. والدتي أيضاً باتت تخاف وتحاول منعي من الخروج خوفاً من القصف".
يجمع عمر الشهادات والثناءات التي تلقاها محمد من المدرسة. لم يبق غيرها مع مجموعة من الصور في الهاتف النقال. يقلبها كل يوم. الملابس التي كان يريد ارتداءها قبل الإصابة، بقيت كلها في المنزل الذي ما زال غبار القصف يملؤه. دراجة محمد الهوائية ما زالت في المنزل أيضاً.
محمد السرميني واحد من آلاف الأطفال في الغوطة الشرقية. بدأ الحصار عندما كان في التاسعة من عمره تقريباً ولم يشهد على شيء سوى القصف والدمار. وعائلة محمد كغيرها من مئات العائلات التي فقدت أطفالها نتيجة القصف العنيف من قوات النظام السوري والطيران الروسي على الغوطة.