يبدو أن رحيل جون ناش (1928 - 2015)، وزوجته أليشيا، قبل أيام، في حادث سير في ولاية نيوجيرسي الأميركية، قد أعاد تسليط الضوء على فيلم "عقل جميل" (بيوتفول مايند)، الذي تعرّف كثيرون من خلاله إلى شخصية عالِم الرياضيات المصاب بمرض الفصام (الشيزوفرينيا)، والحائز على جائزة نوبل عام 1994 لإسهاماته العديدة في حقل الرياضيات والعلوم الاقتصادية.
ولا تبدو استعادة الفيلم اليوم مجرّد صدفة عابرة، إذ لا يمكن الحديث عن حياة ناش الحقيقية من دون التوقّف عند الحبكة السينمائية التي عقدها المخرج رون هوارد في إنتاجه الهوليوودي سنة 2001.
في الفيلم، الذي يجسّد حياة ناش إلى حد ما (مثّل دوره راسل كرو)، ثمة حالة من التصوير المعرفي الذي يبتغيه المخرج، وهو نقل المسيرة العلمية لناش عالم الرياضيات الذي توصّل إلى نظريات عديدة مكّنته من الحصول على نوبل. لكن، في المقابل، تتمظهر الغائية لدى هوارد في تسليع ناش وتسويق مرضه وتجنيده لخدمة الاستخبارات الأميركية في حربها الباردة ضد العملاء الروس.
إنّ التغيير في بعض الأحداث التي ساقها الفيلم، يكشف عن سعي المخرج وراء هدفين: الأول تركيب المشاهد بشكل يتكامل مع الغاية الأساس، وهي تصوير القدرة العلمية المذهلة ـ والقادرة على الحل والربط في مسائل عميقة تصل إلى حد التشفير وفك الرموز ـ المصاحبة لبارانويا في خدمة الدولة والأمن القومي ومواجهة الأعداء.
الهدف الثاني، والذي يخرج في إطار ضمني يكشفه حادثان في سياق الفيلم، إصرار الكاتب على تصوير الهلوسة الناتجة عن فصام الشخصية على أنها بصرية وسمعية، فيما هي في الحقيقة سمعية فقط. واعتراف ناش لدى تسلّمه نوبل أنّه يتناول أدوية نفسية، بعكس الواقع الذي يقول إنّ ناش توقف عن تعاطي الأدوية سنة 1970.
وعليه، يمكن القول إنّ تلك الوظيفة العلمية التي شغلها ناش لم تكن إلا من أجل استغلال ما يعانيه من تخيّلات ومن هذاء، يحتمل الارتياب من "مجموعة من العملاء" أو "سماع أصوات قادمة من بعيد"، لتشغيله في حرب سرية ضد الأعداء.
في الواقع، هذا كله يمكن فهمه في كيفية تعاطي هوليوود مع شخص ناش على أنه حالة مرضية/ شفائية، فلا تصبح المفاضلات التجزيئية ولا نظرية الألعاب ذات قيمة فعلياً. وإن ذُكرتْ، فمن باب التسلسل الحياتي والمهني لناش، إذ يغدو الهدف الأول الاستفادة قدر الإمكان من تلك الحالة المرضية وتعليبها في إطار غائي بحت، تُظهر ناش كما لو أنه يقود الولايات المتحدة الأميركية إلى الانتصار على السوفييت عبر هلوسته وفصامه الحاد.