"كيف ولماذا يجري اخترع التراث في مصر والسودان اليوم؟" سؤال اقترحه الباحثان جان جابرييل لوتورك وأمنية أبو قورة، على عدد من الباحثين في سياق الآثار والتراث والدراسات المتحفية من بلدان مختلفة، وجمعت الأوراق المقدمة للإجابة عن هذا السؤال في كتاب صدر بالفرنسية عام 2009، تحت عنوان "ممارسات صناعة التراث في مصر والسودان"، وصدرت ترجمته حديثاً عن "المركز القومي للترجمة" في القاهرة، والتي أنجزتها المترجمة نجوى حسن.
الكتاب بحسب المقدمة التي كتبتها أبو قورة، هو محاولة لسد النقص في البيبلوغرافيا المكرسة لدراسة ممارسات التراث المعاصرة، حيث لا يزال هناك نقص في الدراسات التي تتيح التفكير وتفكيك الطريقة التي تخترع بها المجتمعات، في مصر والسودان، تراثها. وهذا يعني كيف تتحول السلعة الخاصة أو العامة أو الحدث أو تجربة ما أو أي ظاهرة إلى أشياء تراثية.
ويرى الباحثان المشرفان على الكتاب أن مصر والسودان تقدمان أمثلة لافته في تصنيع التراث من التراث الأثري والهندسي والمديني الى التراث الفولكلوري والإثني والديني. ويعرض الكتاب إسهامات من المعماريين والأنثروبولوجيين وعلماء الموسيقى والمؤرخين وعلماء الآثار في سياق تحديد المسار الذي يفضي إلى البحث في القيم التراثية المعطاة لمجموعة من المواضيع والأماكن والأحداث أو التقاليد.
من جهة أخرى، يلقي الكتاب الضوء على معطى تراثي جديد يعبر عن تحول في ترتيب الأقاليم والهويات فضلاً عن الفجوات الموجودة بين تصنيع وممارسة التراث، كما يقدم قراءات تحاول الإجابة عن سؤال: "كيف نبني إجماعاً سياسياً واجتماعياً ليس فقط حول اختراع التراث ولكن أيضاً حول مختلف الجهات الفاعلة التي تبررها وتشارك فيها، بعبارة أخرى، كيف تعمل كيمياء التراث"، بحسب أبو قورة.
تغطي الدراسات التي يضمها الكتاب تجارب وخبرات تمتد من القاهرة إلى سيوة ثم الإسكندرية في مصر، ثم النقعة، وهي مدينة أثرية سودانية قديمة كانت إحدى مدن المملكة الكوشية، وصولاً إلى وادي حلفا، وهي مدينة في أقصى شمال السودان، وحتى الخرطوم.
يأتي الكتاب في ثلاثة فصول أساسية يضم كل منها عدة مساهمات من باحثين مختلفين، الفصل الأول يتناول إعادة تعيين التراث والأشياء الجديدة في التراث المصري، وفيه نجد مقالات عن التراث من منطقة مسجد ابن طولون إلى قناة القاهرة التي بنيت في العصر المملوكي، كما يتطرق إلى تحديات جمع التراث الموسيقى القبطي، ويضم ورقة حول قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية لأحمد أمين.
الفصل الثاني يتناول دور الإعلام في خدمة التراث في مصر، ويضم أوراقاً تتناول تحديات التراث الحديث في مصر، والتوسطات الثقافية الدولية في مواجهة الرأي العام، وإعادة استخدام المعالم التاريخية للأغراض التعليمية أو الثقافية أو الفنية.
وفي الفصل الثالث تركز الأوراق على محور تسييس التراث واستغلاله في السودان، ويشمل أوراقاً ودراسات وقراءات أكاديمية حول صنع التراث وسياسات الهوية في "إعادة إعمار السودان بعد الصراع"، وممارسات القومية والإمبريالية والتراثية: حالة المهدية في السودان وما بعد المهدي.
كذلك يضم هذا الفصل دراسات: الحديقة الأثرية أو "ديزني لاند"؟ تضارب المصالح حول التراث في النقعة، وهل البحث الأثري يخترع التراث؟، وأعمال الحفريات والتنقيب في النقعة، وأخيراً متحف وادي حلفا: آلية إنقاذ للتراث النوبي غير المادي.