أفلحت شركات السيجار العالمية في تصدير دعاية لمنتجها البرجوازي، حين ربطت بينه وبين فكرة حسّية تتمثّل في جسد المرأة. وهكذا ذاع صيت وصورة المرأة الخلاسية التي تلفّ السيجارَ على ساقها ليستحق السيجارُ ثمناً باهظاً، ويمنح مدخّنيه مشهداً فانتازياً.
والحقيقة أن تصفيف أوراق التبغ على ساق المرأة يأتي في إحدى مراحل تحضير السيجار؛ حين تفصل النساء مختلف أنواع التبغ عن بعضها حسب لونها ودرجة رطوبتها تبعاً لموقعها من النبتة. ومن أجل ذلك تضع العاملات جزءاً من تلك الأوراق على سيقانهن والجزءَ الأكبر على مسند معدٍّ لهذا الغرض، بينما تأتي مرحلة لفّ السيجار لاحقاً، وتتم على لوح خشبي، ويؤدي المهمّةَ الرجال والنساء على حد سواء.
أمّا العمل الحقيقي والمنسي الذي أُنجِزَ على سيقان النساء، فهو قوالب القرميد التي تشكّل سقوف البيوت في غرناطة، المدينة الكولونيالية في نيكاراغوا؛ فقد كانت النساء من السكّان الأصليين في تلك المدينة يعددن قوالب القرميد على سيقانهنّ... أمرٌ ميّز سقوف البيوت بتنوّع أحجام قوالب القرميد، فيما كان على الرجال إعداد الطوب لبناء البيوت.
وفِي تشيلي، البلد الجنوب أميركي، يتفاقم الاستغلال وتسليع جسد المرأة إذ تنتشر نوعية من المقاهي لا توجد في غيرها من البلدان؛ تُسمّى "Café con piernas"ّ أو "مقاهٍ مع سيقان"؛ فعلى النادلات في تلك المقاهي أن يرتدين ملابس ضيقة قصيرة تُظهر سيقانهن. توجد المئات من تلك المقاهي وسط العاصمة سانتياغو، وتستقبل زبائنَ معظمُهم من موظفي القطاعَين العام والخاص لقربها من أماكن أعمالهم. وبطبيعة الحال، معظم الزبائن من الرجال.
كان من الغريب أن تحظى تلك "المقاهي" بذلك الرواج في مجتمع محافظ كتشيلي، بل وصل كثير منها، لا سيما المتواجدة على أطراف المدينة، إلى تحديد لباس النادلات بقطعتَي المايوه فقط! وفي تقرير أعدّته أحدى القنوات الفضائية، يقول أحد الزبائن إن المجتمع المحافظ يحفّز الرجال للقدوم إلى هذه "المقاهي"، فهم يشعرون بحرية عند الحديث مع النادلات والتعبير عن مشاعرهم، بينما يصعب عليهم الأمر بين عائلاتهم.
تأسّست تلك المقاهي في نهاية عهد الديكتاتورية في تشيلي، أي قبل ثلاثين عاماً تقريباً، وكأنها رد فعل مبالغ به ضد نظام حكم يميني متشدّد سيطر على البلاد بالحديد والنار. مع هذا، ما زال كثير من التشيليين، وخصوصاً النساء، لا يعرفون تلك المقاهي ولا يرتادونها، بل يرتادها كثير من السياح الذين يعتبرونها إحدى "معالم" البلاد.
تُشدّد الحكومة التشيلية على القوانين المتعلّقة بالدعارة دون أن تمنعها تماماً، بيد أنها لا تتعرّض لأصحاب "المقاهي مع سيقان" الذين تمكّنوا من اختراع خطّ فاصل بين الدعارة وما يشبهها.
* كاتبة ومترجمة فلسطينية أردنية مقيمة في نيكاراغوا