تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته. هنا يتحدّث الشاعر الفلسطيني الأردني فخري رطروط عن تجربته وعن رؤيته لراهن مشهد الشعر العربي.
■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟
سأدّعي بأني قارئ نفسي. لا أعرف إن كنتُ مقروءاً أم لا، لا يوجد مقياس يحدّد ذلك، لكن تصلني رسائل كثيرة من أناس لا أعرفهم يشيدون بما أكتب، وهذا يكفيني، القارئ العادي هو من أخاطبه، أعتقد بأنني أحترم القارئ، وأتمنى أن أحظى باحترامه، دون أن ننسى بأن الشعر تم حشره في الزاوية، والرواية تركب على كتفيه وتسرق أتباعه، الناس ينفضّون عن الشعر، ويروقهم أن يتركوه للنخبة، النخبة التي صنعها الشعراء بأنفسهم.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟
لديّ تجارب مريرة، خرجت بنتيجة بأني لن أدفع قرشاً لناشر. مؤخراً، نشرت لي "دار بتانة" في مصر بالمجّان، ودعوني لحفل توقيع كتابي "البطريق في صيف حار" متحملين النفقات، هذه دار نشر أحترمها، يكفي أنها توزّع كتب الشعر في المعارض التي تشارك فيها. أيضاً "دار الأدهم" في مصر أوجه لها التحية، نشرت لي كتاباً أنيقاً. مع ذلك كتبي غير منتشرة في الوطن العربي، أحلم بنشر كتبي في كل بلد عربي، ليس لدي ناشر محترف، لدي أصدقاء يحملون كتبي ويوزّعونها.
■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟
النشر في أي مكان فرصة للشعر لينتشر، وسائل تواصل اجتماعي، صحف، مجلات، تلفزيون، لكل وسيلة إعلامية جمهور، على الشعر أن يحتلّ العالم، شكراً لمن يمنحنا نافذة أو منبراً، بعض الجرائد والمجلات لديها فلاتر قوية لا تقدّم إلا الشعر الصحي، ربما هذه ميزة مهمة.
■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟
نعم أنشر شعري في وسائل التواصل الاجتماعي، فيسبوك ساوى بين أكبر شاعر وأصغر شاعر وكسر احتكار الكبار لمنابر الشعر وقرّب الشعر من العامة وأتاح للشعراء المغموريين فرصة الظهور. فيسبوك جلب لي الكثير من الأصدقاء والقراء، وبحكم بُعدي عن الوطن العربي يكاد فيسبوك يكون طريق التواصل الوحيدة مع القارئ العربي. فيسبوك جعلك تقدم قصائد طازجة حارة. ولكن من أضرار نشر الشعر على فيسبوك: استسهال الكتابة، التشابه، التعرّض للسطو، ملل القارئ من الحضور اليومي للشاعر، الاستعانة بالمفاتن الأنثوية والإكسسوارات والبوتكس لحقن القصائد الميتة، أيضاً هناك "سحّيجة" ومافيات شعرية مخيفة في هذا الفضاء الأزرق.
■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟
الشعراء يقرؤون لبعضهم بعضاً، هذا صحيح، لكن هناك شريحة كبيرة من العامة والنخبة تقرأ بصمت، تبحث عن الجمال، تبحث عن الشعر الذي يشبهها. أكثر الشعراء قراءة هم أصحاب الفكرة العميقة والمعجم اليومي البعيد عن الاستعراض اللغوي، سليم بركات شاعر عظيم، لكنه غير مقروء لأنه موغل في المجاز ولاعب لغوي ماهر فوق العادة.أن تكون شاعر النخبة أو شاعر العامة؟ أعتقد هناك منطقة ضيقة بينهما يوجد فيها معظم القراء. منذ سنوات، بدأ الشعر العربي المترجم يجد قطاعاً من القراء الأجانب المتعطشين، وهذا إنجاز يجب متابعته.
■ هل توافق أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟
نعم، للأسف صحيح، الشعر المترجم أكثر مقروئية، بعض منه يتقدّم على الشعر العربي بسنوات، وبعض يقلّ كثيراً عن شعرنا العربي، ربما لا نجيد تسويق أنفسنا جيداً، أيضاَ تضفي الترجمة على المادة المنقولة شيئاً من القداسة والتي تكون أحياناً زائفة، هناك كتّاب عالميون خلفهم شركات تصنعهم وتسوّقهم، ليس كل ما يترجم مقدساً وسط غياب ميزان دقيق لفحص المادة المترجمة، والغريب أن ما يترجم ليس هو الأفضل دائماً في لغته.
■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟
نقاط ضعفه: غياب الناقد ونمطية الأكاديميين وغلاء الكتب وابتزاز دور النشر، وضعف ثقافة المتحكمين بوسائل الإعلام، والجوائز، الحلم بالعالمية ولو عن طريق التطبيع والدعارة الأدبية؛ هذه نقاط مقتل الشعر العربي المصاب بالتكرار والتشابه، بالإضافة إلى الموضات، والدرويشية والأدونويسية. أما مزايا الشعر العربي: مكانه الاستراتيجي في قلب العالم، وقد أتاح له الاتصال مباشرة بالشعر الإيراني والهندي واليوناني والإفريقي والصيني والكردي، الشعر العربي استطاع هضم شعر الشعوب الأخرى، أيضاً كثرة الأقليات والأعراق في الوطن العربي ساعد ذلك على تنوّعه، كثرة الحروب والنكبات والأحزاب جعلته شعراً حاراً مقاوماً يحاول تطوير نفسه، الشعر العربي ميزته أنه صادر عن لغة ذات معجم ضخم لا يهزم بسهولة.
■ شاعر عربي تعتقد أن من المهم استعادته الآن؟
هناك الكثير من الأسماء المعاصرة (لستُ قارئاً جيداً للشعر العربي القديم)، يحضرني منهم شوقي أبي شقرا، شاعر كبير حي يعامل للأسف بمثابة ميت، ولم يأخذ حقه. يجب أن نبحث عن وليد خازندار، أين هو؟ من يتذكر عبد الله البردوني؟ يجب استعادة شعراء الصوفية بقوة؛ لإعادة التوازن للشعر العربي الذي انفتح كثيراً على المادية. يجب استعادة شعراء المغرب العربي رهائن اللغة الفرنسية.
■ ما الذي تتمناه للشعر العربي؟
أن يترجم إلى كل لغات العالم وأن ينفض عن ظهره المتسلقين والتجار، أن يعود مقدساً كما أيام الجاهلية، وأن يعود ديوان العرب، وألا يستسهل الجميع مهنة شاعر، وأن تختفي الموضات منه، وأن يتخلّص من شوائبه وأحماله الزائفة، وأن يبتعد عن النخبة والأكاديميين، يجب تسويق الشعر العربي الجيّد في العالم؛ ليعود في الواجهة والمقدمة كما كان.
بطاقة: فخري رطروط، شاعر وفنان تشكيلي فلسطيني أردني، من مواليد مدينة الزرقاء عام 1972، مقيم في مانغوا عاصمة نيكاراغوا منذ عام 2000. عمل رطروط في مهن مختلفة وأصدر أربع مجموعات شعرية، تنعكس فيها ثقافة أميركا اللاتينية ومناخاتها، هي: "جنة المرتزقة"، و"صنع في الجحيم"، و"400 فيل أزرق"، وآخرها "البطريق في صيف حار"، كما صدرت له مجموعتا مختارات مترجمة إلى اللغة الإسبانية.