اللافت أن تضع بضع صور لأطفال سوريين قتلى جراء التعذيب، أو الغرق، أو خارجين من ركام قصف الطائرات، العالم كله في حرج أخلاقي. والمرجح أن الخجل ناجم عن ارتباك الضمير الذي يتجاهل الكارثة.
توجز صور عمران أو إيلان أو حمزة، الفاجعة السورية. إنها، بمعنى ما، الصورة الهاربة من الألبوم الذي يعدّ من أجل خزائن المنظمات الدولية، أو لأرشيف الأمم المتحدة ومحفوظاتها. والملاحظ أن تتباين آراء السوريين تجاه المسألة. ففيما عابت فئات منهم على الإعلام العالمي انتهازيته، حين يتجاهل واقع أن آلاف الأطفال يموتون. أنكرت فئات أخرى حقيقة الصور، وادعى بعضهم أنها مفبركة. وللاعتراض الأول وجاهة أخلاقية ناجمة عن الرغبة في الإعلان عن موت ومعاناة الآلاف من الأطفال السوريين، مثلما عانى ومات هؤلاء الذين توضع صورهم في التداول.
فيما يبدو الرأي الثاني مذعوراً من الحقيقة. غير أن كلا الرأيين يقرّ أهمية الصورة، ودورها المتفوق على دور الأرقام أو الإحصاءات. ويمكن الاستعانة بعمل الأدب والفن إذا ما وسّعنا الكلام عن الجرعة العاطفية المتفوقة لصور العذاب الفردي، في الوجدان العام، على صور الفواجع الجماعية. فتاريخ كلا الحقلين الإبداعيين، يشير إلى أنهما يضطران في تسجيل الأزمات الإنسانية، لاختيار "الأفراد" من أجل تصوير الفاجعة، أو حكايتها. إما بأسمائهم الحقيقية، كما في التصوير الفوتوغرافي، أو التلفزيوني، أو بأسماء مستعارة كما قد تفعل القصة والرواية والمسرح.
وإذا كان الأمر قد يبدو شكلاً من أشكال التلخيص للفاجعة، فإن الأفضل أن نقول إنه يرمزها. وتستطيع الأعمال الفنية أن تمنح القضايا العادلة قوة مرئية، أو مكتوبة، عبر الفن، والأدب. يمكن للصورة الفوتوغرافية التي تسجّل لحظة الضحية المفردة، أن تفاقم تأثير الكارثة، في مواجهة ماكنات الإعلام المتواطئ مع الصمت عن المجازر الجماعية.
في رواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا" يأخذ فارس اللبدة العائد إلى بيته في يافا، بعد غياب عشرين سنة، صورة أخيه الشهيد "بدر" من منزله القديم الذي يقطنه عربي آخر من فلسطين المحتلة. غير أنه ما يلبث أن يعيد الصورة إليه. كان كلا الرجلين قد شعر أنه "يعبث"، بطريقة ما، بنظام محدّد للعيش أو التفاهم مع الحياة. فقد بدا الحائط موحشاً بعد زوال الصورة التي ظلّت معلقة هناك منذ أن استشهد بدر. وشعر فارس اللبدة أنه لا يملك الحق في الاحتفاظ بتلك الصورة، ذلك أنها كانت تشكل كما قال الرجل الذي سكن البيت بعد غياب آل اللبدة: "جسركم إلينا وجسرنا إليكم".
قد تبدو الصورة هنا نوعاً من التلخيص المكثف للمعنى الذي تريده، فصورة الشهيد المعلقة على جدار البيت تُبقي قضية الفلسطينيين، بما فيها التهجير القسري حية، ومستمرة. وكذلك تفعل شخصية "سعيد. س" التي هي اختيار رمزي، يمثل في الرواية كل الفلسطينيين المقتلعين من بيوتهم، وبلدهم. وقد أضافت الرواية طعماً مريعاً على وضعه الإنساني الفردي، القابل للتعميم، حين روت كيف أرغم ذات يوم على ترك ولده أيضاً، لينشأ في كنف مستوطنَين استوليا على منزله.