ظلّ الباحث وأستاذ الفلسفة المصري مصطفى العبادي (1928 – 2017) مسكوناً بمدينته الإسكندرية التي ولد وعاش فيها معظم حياته، محاولاً عبر مؤلّفاته التاريخية والفكرية استعادة تلك المرحلة الذهبية التي عاشتها الإسكندرية قبل أكثر من ألفي سنة، بوصفها نقطة التقاء الحضارتين المصرية واليونانية.
حاز صاحب كتاب "مصر من الإسكندر الأكبر حتى الفتح العربي" الدرجة الجامعية الأولى في التاريخ، ثم نال شهادة الدكتوراه في الفلسفة متخصّصاً في الحضارة اليونانية والرومانية من "جامعة كامبردج" عام 1961، وانطلق مشواره البحثي في محاولة لدحض فكرة أن يكون العرب قد أحرقوا مكتبة الإسكندرية عند دخولهم مصر في القرن السابع الميلادي، إذ لم يكن لها وجود على الإطلاق في تلك المرحلة بعد أن تعرّضت للتدمير في عهدها الأول بالحريق الذي أشعله يوليوس قيصر.
وُلِد صاحب "ديمقراطية الأثينيين" لأب يعدّ من أبرز المتخصّصين في الدراسات الأندلسية والمشتغلين في حقل التاريخ، حيث كان عبد الحميد العبادي (1892 – 1956) أحد مؤسّسي "جامعة الإسكندرية" وشغل منصب أوّل عميد لكلية الآداب فيها.
ألّف مصطفى العبادي كتباً ودراسات عديدة؛ من بينها: "مكتبة الإسكندرية القديمة.. سيرتها ومصيرها"، و"مصر والإمبراطورية الرومانية"، "نشأة الفكر التاريخي وتطوّره عند اليونان"، إضافة إلى ترجماته ومنها كتاب "القاهرة مدينة الفن والتجارة" لـ غاستون فيبت.
أمضى سنوات طويلة يشتغل على حلم حياته وهو مشروع إحياء مكتبة الإسكندرية القديمة الذي دعا إلى تنفيذه منذ سبعينيات القرن الماضي، حتى رأى النور في تشرين الأَول/ أكتوبر 2002، لكنه اصطدم مع رموز نظام مبارك الذين نسبوا الإنجاز لأنفسهم، ورغم عدم انخراطه في السياسة والعمل العام إلاّ أن مواقفه الناقدة لفساد السلطة واستبدادها كانت واضحة ودائمة.