في احتفالية بعنوان "خبيئة المتحف.. وثائق تكشف عن 112 عاما من التاريخ المفقود"، أقيمت في 26 تموز/ يوليو المنقضي، جرى الكشف عن عشرات اللوحات الفنية ومئات الوثائق الخاصة بتاريخ متحف الفنون الجميلة في الإسكندرية.
يعود تاريخ معظم اللوحات للقرنين السابع عشر والثامن عشر، بينما الوثائق تعود للقرن العشرين، وتؤرخ لبدايات متحف الفنون الجميلة حينما كان يعرف باسم "متحف فاروق الأول" وهو مرحلة تاريخية لم تكن هناك أي معلومات عنها، فتاريخ المتحف المدون والمتعارف عليه يعود لمنتصف الخمسينيات من القرن العشرين.
الاحتفالية تزامنت مع "العيد القومي" لمدينة الإسكندرية، وعرضت خلالها نماذج من اللوحات والوثائق، بالإضافة إلى محاضرة ألقاها علي سعيد، مدير المتحف، وإسلام عاصم، رئيس "جمعية التراث والفنون التقليدية" في الإسكندرية، وحاولا شرح كيفية العثورعلى تلك "الخبيئة" وتوثيقها وجمع مزيد من المعلومات عنها.
تتضمّن الأعمال المعروضة بعض لوحات للفنان الفرنسي جاك كالوت التي تحتوى على مظاهر متنوعة للحياة وقتها، وأعمالا للفنان الهولندي جاكوب إيزالك فان روسيدل وتعكس صورا متنوعة للطبيعة، وأعمالا للفنان الفرنسي أدولف لاليري الذي تتميز أعماله بالتكوينات الدينية، بالإضافة للعديد من أعمال فنانين يونانيين وإيطاليين.
تحدث سعيد عن الصدفة التي قادت لاكتشاف هذه الأعمال، مشيراً إلى أن أمين مخزن المتحف، طلب منه أكثر من مرة خلال العام الماضي، التوقيع بالموافقة على التخلص من مجموعة أوراق قديمة تخصّ توقيع الموظفين بالحضور والانصراف المتراكمة منذ سنوات طويلة.
يضيف: "رغم أن هذا الإجراء يحدث بصورة روتينية، لكنني طلبت منه أن ينتظر حتى أفحصها، وعندما نزلت للمخزن وجدت وسط تلك الأوراق صندوقاً عثرت بداخله على مستندات مكتوب عليها "متحف فاروق الأول"، ولم يكن عندي أي علم مسبق بهذا الاسم".
علاقات مدير المتحف بمؤسسات المجتمع المدني المهتمة بتراث المدينة، ساعدته في تكوين فريق عمل بحثي شارك فيه أعضاء من "المركز الفرنسي للدراسات السكندرية"، ومكتبة البلدية، والعديد من المؤسسات والباحثين المستقلين، بهدف البحث عن تاريخ المتحف المفقود.
على مدار العام الماضي، تكشفت للفريق البحثي العديد من الخيوط أثناء الرحلة البحثية، من أبرزها التعرّف على شخصية إدوارد فريد هايم المواطن السكندري من أصول ألمانية الذي أهدى معظم الأعمال الفنية الموجودة في المتحف، بالإضافة للعديد من الأعمال التي لم تعرض وظلت مخبوءة في بدروم القصر لعقود طويلة.
لا تقتصر أهمية الاكتشاف على قيمة اللوحات الفنية، لكنها تمتد لتاريخ مبنى المتحف والمدينة ككل، فالسجلات الرسمية تشير إلى أنه في عهد حسين بك صبحي مدير بلدية الإسكندرية، بداية الخمسينيات من القرن الماضي، افتتح "متحف الفنون الجميلة" افتتاحاً رمزياً بحضور وزراء الحربية والشؤون الاجتماعية والمعارف، والرئيس السوري شكري القوتلي، وأمين "جامعة الدول العربية" عبد الخالق حسونة، وذلك في إطار الاحتفال بعيد ثورة يوليو/تموز الثاني، بينما كشفت الوثائق عن ثلاثة عقود سابقة من تاريخ المتحف لم تكن هناك معلومات عنها.
أوصى إدوارد فريد هايم بالتبرع لبلدية الإسكندرية بعد وفاته بـ 217 لوحة تنتمي لمدارس فنية مختلفة في الفن التشكيلي رُسمت ما بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر.
وفي عام 1935، وهب البارون شار دي منشه فيلا بمنطقة محرك بك لتكون مكتبة للبلدية ومتحفاً للصور، وانتقلت لوحات فريد هايم إلى هناك. وعام 1943 قرر أحمد كامل باشا مدير البلدية إطلاق اسم "متحف الفنون الجميلة" على المبنى. ثم في عام 1945 تقرّر إنشاء مبنى جديد لـ"متحف الفنون الجميلة" ومركز ثقافي بالإضافة إلى مكتبة البلدية وتقرر أن يطلق عليها اسم "متحف فاروق الأول".
خلال تلك السنوات أهدى الكثير من رجال السياسة والثقافة العديد من اللوحات إلى المتحف، إما مدفوعين بحب الفن، أو برغبة في التقرب من الملك فاروق الذي أطلق اسمه على المتحف، لكن تأخر تسليم المبنى الجديد وإتمام أعماله الإنشائية ثم قيام ثورة يوليو 1952 ونهاية الحكم الملكي، أعاد المسمّى القديم "متحف الإسكندرية للفنون الجميلة"، وقام بافتتاحه بشكل رسمي الرئيس جمال عبد الناصر، بالتزامن مع "بينالي الإسكندرية الأول".
إلى جانب الحالة الاحتفائية بالكشف عن الوثائق واللوحات، ربما علينا أن نتساءل كيف تُركت تلك الوثائق كل هذه السنوات في صناديق مهملة في بدروم القصر، دون أن توثق وتعرض للجمهور. سؤال يُطرح على قطاع الفنون التشكيلية ووزارة الثقافة المصرية.
كما يطرح سؤال آخر حول كمّ المفقودات من التراث الفني المصري سواء في المتاحف الفنية أو الآثارية، فبينما عثر على تلك الخبيئة، يحتمل أن تكون فُقدت العديد من الوثائق واللوحات الأخرى، خصوصاً حين نتذكّر أن السنوات الماضية قد شهدت العديد من السرقات من أشهرها سرقة لوحة "زهرة الخشخاش"، ومقتنيات "متحف محمد علي"، ولوحات "متحف الفن الحديث"، و"متحف النوبة" في أسوان، و"متحف ملوي" في المنيا، وعشرات السرقات الأخرى التي تكرر بصورة دورية فلا يكاد يمر شهر دون سرقة جديدة.