من أعالي هضاب نيبال، جاء صديقنا المشهور بـ "التيس" واكترى غرفتين في جادّة برسلونيّتا له ولأصحابه.
احتاج التيس سبع سنوات إقامة شرعية، ليُقدم على هذه الخطوة. واحتاج قبل ذلك، أن يجلس مع نفسه السنوات السبع عينها، ليتيقّن أخيراً أن بيته هناك (بيت الطفولة والعائلة) مضى وانقضى للأبد.
مضى وانقضى للأبد. لم يمسحه زلزال، ولا أغرقه طوفان (فهو، لا تنسوا، في الأعالي) بل اضطّر أخوه الكبير بعد وفاة الوالدين، أن يبيعه لتاجر خيول، كي يُنهي حزازات الإخوة.
التيس وأصحابه العشرون عفّشوا الغرفتين بما يُرمى على قارعة الطريق.
وهذه الليلة كانت الأولى، منذ سبع سنوات، يكون للتيس فيها سقف.
صباحاً تستيقظ القبيلة الجديدة، من باكستانيين ونيباليين، وتفطر وتهرع إلى عملها. وليس عملها إلا بيع البيرة والموخيتو، في أحسن الأحوال، أما الأسوأ، فهو البحث عن حطام الدنيا في الحاويات.
كلما تيسّر لواحدهم جمع مئة يورو يسارع بإرسالها للأهل.
يعيشون يوماً بيوم. والتيس، بحكم أنه الأقدم والأكثر خبرة، صار مرجعيتهم، ومحل ثقة هيهات أن تُمسّ.
لمَ؟ لأنه أسعدهم حظاً: لديه عمل ثابت في البناء، ولديه راتب، ولديه أوراق قانونية وتأمين والذي منه.
وهم ينظرون إليه بوصفه التجسيد الحيّ لأملهم في المستقبل السعيد. بل أبعد: بوصفه نموذج المكافح الناجح، الذي لم تبهظه أزمة البلد الخانقة، ولم تفتّ من عضده أية مشكلة اعترضته (ولطالما اعترضته المشاكل).
المهم، التيس صار أغزر ثقة بنفسه، بتأثير البيت الجديد ونعمة الاستقرار. ثقة، جعلته ذات ليلة من يوليو، وقد أكمل زجاجة نبيذ كاملة، وهو يتفرج على العاريات من الشرفة، أن يقرّر الزواج من أخت أحد زملائه الكتالان.
لكن كيف سيرتّب للأمر وهو لم يرها سوى مرتين؟
لا بد من ترتيبات، ولا بعد من عمل إضافي.
لقد حلم التيس طوال عمره بالاقتران من امرأة كتالانية.
لو تحقق هذا الحلم الغالي، سيخلع لقبه ويرميه في أول حاوية تلاقيه في شارع البحر.
ها .. حينها سأغدو شيئاً آخر غير التيس.
نام وهو يحلم.
وفي الصباح سمع همهمات رفاقه، على نحو مشوّش جداً، ثم عاد لنوم ثقيل ومعتم.
نوم لم يجربه التيس من قبل البتة.
حين رجع بعض رفاقه في المساء، وجدوه نائماً، وحاولوا إيقاظه بلا جدوى.
أكبرهم سناً جسَّه وشمَّه وقال: التيس مات.
الأصغر من أكبرهم بسنة، قال: لقد مات محسوداً.
فمن غير التيس في جماعتنا يمكن له كراء غرفتين؟
ثوانٍ، وانفجرت النهنهات.
ساعات أخرى، ودُفن التيس بعيداً عن الغرفتين.
بعيداً عن بيت الطفولة الطيني، هناك في أعالي هضاب نيبال.