لم تعد الشفهية قدراً يتحكّم اليوم في تطوير الإنتاج الأمازيغي المغربي في مجالي الأدب والبحث، وإن كان هذا السبب (أي الشفهية)، إضافة إلى إقصاء عاشته الأمازيغية سابقاً، لم يمنع مبادرات فردية ومحاولات شخصية منذ سبعينيات القرن الماضي من خلق حركيّة أدبية أمازيغية جديدة، حاولت تجاوز إنتاجات البدايات الأولى.
هذا الحضور، دفع وزارة الثقافة المغربية إلى إحداث جائزتين للكتاب الأمازيغي لأوّل مرة، جرى الإعلان عنهما في شباط/فبراير الماضي، لكن الإشارة إليهما كانت قبل ذلك، عندما طالب رئيس الحكومة المغربية، في حفل تسليم "جائزة المغرب للكتاب" في دورتها الأخيرة، إلى التعامل بنوع من "التمييز الإيجابي لصالح اللغة الأمازيغية"، ذلك وأنه لأسباب تاريخية، يصعب عليها أن تنافس المنتوج الثقافي المكتوب باللغات الأخرى، بما فيها العربية.
غير أن الإشكال في الجائزتين (جائزة مخصصة للإبداع الأدبي الأمازيغي، وأخرى للدراسات في مجال الثقافة الأمازيغية)، بغض النظر على أهميتهما؛ يكمن في كونهما مرة أخرى ستعليان من شأن لغات أخرى في مجال البحث دون اللغة الأمازيغية، وستكرسان انحصار الكتابة الأمازيغية في مجال الأدب!
يتّضح هذا الأمر جلياً، في "التقرير السنوي للنشر والكتاب 2016-2017"، الذي كشف على أن المنشورات الأمازيغية، يطغى عليها الإبداع الأدبي بـ 61 عنواناً من أصل 66 عنواناً؛ أي بنسبة تزيد عن 95 في المائة.
بل إن هذه المنشورات (صدر معظمها لدى الجمعيات الأمازيغية، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أو على نفقة المؤلف)، في توزيعها حسب نوعية الحرف المعتمد من طرف الكتاب والناشرين، تشير إلى أن حرف "تيفيناغ" لم يتعمّم استعماله بعد، مع غلبة الحرف اللاتيني لكتابة الإنتاجات الأمازيغية!
ما يعني أن مسألة حرف الكتابة لا تزال قائمة، رغم "هدنة" سرت منذ 15 عاماً بين اتجاهين أساسيين؛ واحد انتصر للحرف العربي، وآخر تحيّز للحرف اللاتيني، بعد "معركة الحرف" إياها التي وضعت أوزارها باختيار "تيفيناغ" حرفاً رسمياً لكتابة الأمازيغية في المغرب.
منذ البداية كانت مسألة تحديد الأبجدية المناسبة لكتابة الأمازيغية غاية في التعقيد والخصوصية، بسبب معايير إيديولوجية وتقنية، وبالتالي لم يكن الحرص على تطوير الأمازيغية في كتابتها وتدوينها، بل وحتى تدريسها، يراعي الحقيقة الثقافية والاجتماعية المغربية المشتركة التي تراكمت فيها روافد متعدّدة.
بهذا الخصوص، قد تواجه الجائزة المحدثة مشكلة أخرى؛ ترتبط بإمكانية التحيّز مرة أخرى لرافد من الروافد الأمازيغية الثلاثة (تريفيت شمالاً، تمازيغت في الوسط، وتشلحيت جنوباً). وهي مشكلة لا تنفصل عن سابقتها؛ بالنظر إلى أنه ليس هناك إبداع بلغة "معيارية" كما "يحلم" أصحاب التوجّه الرسمي على الأقل.
هذا ما تعكسه الكتب المنشورة بالأمازيغية، بالاستناد إلى حصيلة النشر المشار إليها، التي أبرزت هيمنة رافد تشلحيت جنوب المغرب على مجمل الإنتاجات الأمازيغية بـ41 عنواناً، فيما يقتسم الرافدان المتبقيان باقي العناوين (14 عنواناً بتريفيت، وأربعة بتمازيغت)، إضافة إلى عنوانين بروافد مختلطة.