سبق إنجاز فيلم "الفتاة الدنماركية" للمخرج الإنجليزي تيم هوبر (1972)، ارتباك وانتظار وتغييرات كثيرة في طاقم العمل؛ بدءاً من صعوبة اختيار بطلَيْ الفيلم، وانتهاء باختيار المخرج بعد أن كانت أسماء مخرجين آخرين مطروحة قبله. الأكيد بعد عرض الفيلم، أن الطاقم الذي انتهى به المطاف خلف الكاميرا أو أمامها قدّم قصة إنسانية راقية حول المتحوّلين جنسياً.
من الواضح إذن، أن الفيلم وجد بين يدي هوبر الملاذ الآمن، فصاحب "خطاب الملك" (2010) يملك مفاتيح الدراما، إذ إن أفلامه القليلة قياساً بعمله في التلفزيون كلها تحتمي خلف دراما قوية كالنسخة الأخيرة من "البؤساء" (2012)، أو تقديمه لدراما رياضية عن "فريق ليدز يونايتد" (2009).
في "الفتاة الدنماركية" يعمل هوبر ببعض من التفاصيل الفنية المعروفة عنه، فيختار أن تنطلق الحكاية بتعبير فني وقوي؛ مشاهد متتالية من الطبيعة الاسكندنافية ثم تستقر الكاميرا على مجموعة أشجار تتّخذ شكلاً متوازياً، يصبح هذا المشهد مدخلنا إلى معرض فنّي للفنان إينار ويغنر (أداء إيدي ريدمان). يتفاعل الجمهور مع لوحات إينار وتثني إحدى الزائرات على موهبته وتتمنّى لزوجته الفنانة جيردا ويغنر (أداء أليسيا فيكانيدر) أن تصير مثله.
لم تكن جيردا في هذا الوقت معروفة في الوسط الفني، وكان زوجها يحاول دعمها كي تجد طريقها، وأثناء بحثها عن صيغ أخرى للتعبير بعد رفض إحدى صالات العرض تقديم لوحاتها التي كانت كلها عبارة عن بورتريهات غير مثيرة، تطلب من زوجها أن يساعدها في أن تكمل لوحة لسيدة جميلة بأن ينتعل جوارب، ثم تحتاج منه أكثر من ذلك، أن يمسك ثوب نساء وكأنه يرتديه؛ ملامح إينار قالت الكثير في هذا المشاهد؛ وكأن الثوب قد فتح ذاكرته على شيء مفقود؛ حركاته كانت أقرب إلى المرأة منها إلى الرجل.
بدأت جيردا ترسم بورتريهات زوجها وتقرّبه أكثر من المرأة، بعد ذلك تواطأ الاثنان على لعبة ارتداء إينار لملابس امرأة وأصبح لهذه المرأة اسم، وهو لي لي، والتي كان يتم تقديمها على أنها ابنة عم إينار، أي أن حضورها يعني غياب الأخير. تطوّر الأمر كثيراً من جانب إينار وعندما كانت غيردا تعود إلى بيتها تجد لي لي في البيت ولا تجد إينار، حاولت منعه في مواصلة اللعبة، حتى أخبرها أن إينار لم يعد له وجود.
بعد عرض حالته على الأطباء الذين لم يستوعب الكثير منهم ما يتعاملون معه، دعمت الزوجة قرار زوجها في تغيير جنسه بعدما وجدا أخيراً طبيباً قادراً على فهم حالة ازدواجية الجنس لدى إينار. بعد العملية الثانية لم يحتمل جسم لي لي وفارقت الحياة، كأول شخص يقوم بجراحة لتغيير الجنس.
القصة المختزلة كما رواها الفيلم تختلف في الكثير من التفاصيل عن القصة التي جاءت في رواية الكاتب ديفيد إيبرشوف التي نقلت تفاصيل أكثر عن حياة الرسام الدانماركي إينار ويغنز. لكن الفيلم نجح في إضاءة أهم الجوانب في هذه القصة. قبل اختيار الممثلة أليسيا فيكانيدر لدور غيردا تم تداول أسماء كثيرة أشهر منها مثل نيكول كيدمان وغوينيث بالترو وتشارليز ثيرون.
لكن لأسباب متعددة انسحبت هذه الأسماء من مشروع الفيلم تاركة الفرصة لفيكاندر التي كان آداؤها أحد أهم نقاط القوة في الفيلم، وجعلها تقتحم ترشيحات جوائز الغولدن غلوب والأوسكار. أما إيدي ريدمان فبعد الصورة التي قدّمها عن نفسه في "نظرية كل شيء" ها هو يقدّم دوراً آخر مهماً في مسيرته في تعاون آخر مع المخرج هوبر بعد ظهوره في "البؤساء".
تقدّم نهاية الفيلم إجابة عن جزء كبير من أسئلته، حيث تصرّ لي لي أن تخرج من الغرفة التي أجرت فيها العملية إلى الخارج كي تشكر الله، وهناك تخبر غيردا ألا تخاف بعد الآن؛ كلام لم يكن يعني أنها ستعيش، لكنها كانت تقصد أنها نجحت في تحرير جسدها من رجل كان يسكنه.