تتشعّب الآراء وتتضارب حول جوائز الأدب العربي التي تكاثرت في السنوات الأخيرة. ولا ندري إن كان ذلك من حسن حظ الكتّاب أم العكس، إذ تُطرَح بقوّة مسألة أهلية وحيادية لجان التحكيم وطريقة اختيار الحُكّام، ثم آلية اختيارهم للقوائم الفائزة. كما لا نجد وضوحاً كافياً حول المعايير التي تتيح تجاوز التضارب بين الحُكم الإبداعي والذائقة والشأن الشخصي والعلاقة الفردية بالناشر والكاتب.
بحسب معايير جوائز أدبية كثيرة في العالم، يُشترَط في الحكَم أن يكون في غاية الأمانة النقدية. غير أن العلاقة الشخصية التي قد تربطه بصاحب الكتاب المنتخَب أو المرشّح للجائزة قد تكون سبباً في غياب هذا الشرط. فإذا كان ضمن القائمة المرشّحة، كتابٌ لصديق شخصي (أحياناً يتعلّق الأمر بالزوج/ة)، فعلى الحكَم أن ينأى بنفسه عن التحكيم.
هذه مسألة تجري العودة إليها في المشهد الثقافي الكندي وتُؤخَذ بعين الاعتبار في المسابقات الشعرية والروائية. إنها مسألة أخلاقية بالأساس، فعلى الحكَم أن ينسحب من التصويت لصالح قريبه أو قريبته أو صديقته أو الناشر المفضّل لديه، أو أن يقبل وجوده في اللجنة بشرط ألا يكون هو من قام بترشيح كتاب الصديق للجائزة.
لكن من أين نأتي بهذا الحياد والساحة العربية أغلبها محكومة بالزمالات، وأصدقاء المقهى، وصُحبة المهرجانات، وقرابات العائلة والتاريخ المشترك؟ هل يكمن الحلّ في دعوة نقّاد من أميركا وفرنسا وبريطانيا، ما دمنا نستورد حتى أسماء جوائزنا؟ وكم سيبدو غريباً وهجيناً أن نجلب كاتباً صينياً أو إيطالياً لتقييم جائزة أدبية عربية؟
منذ سنوات، أُثير في صحافة مدينة تورنتو جدلٌ إثر صدور نتائج تحكيم جائزة شعرية اسمها "غفرنر جنرال أووردز". كان الاعتراض على ذهاب الجائزة إلى شاعر شاب تربطه صداقة شخصية باثنين من أعضاء لجنة التحكيم. نال الانتقاد من مكانة الشاعر الكندي بيير جورجيو دي سيكو الذي لُقّب لسنوات معدودة بـ"أمير شعراء تورنتو"، لأنه كتب تقديماً على غلاف المجموعة. أمّا الناقد الآخر فورد اسمه في رسالة شكر وعرفان يحملها الكتاب للإشارة إلى جهود كل المتعاونين مع الكاتب، سواء الذين شاركوا في التنقيح أو إسداء النصائح النقدية أو المساندة بكل أشكالها. هذه المسائل وغيرها جعلت لجنة التحكيم - في نظر المتابعين - بعيدة عن النزاهة.
أيضاً، أُثير جدل هذا العام حول جائزة "غريفن بويتري برايز"، والتي حكّم فيها أربعة شعراء فقط، بعضهم من كندا وبعضهم من أميركا. لكن الاعتراض كان متعلقاً هذه المرّة بقائمة الترشيح النهائية؛ حيث وُجدت ثلاثة كتب من إصدارات "دار أنانسي برس" التي يمتلكها سكوت غريفن، مؤسّس ومموّل هذه الجائزة منذ عام 2000. حدث ذلك على الرغم من أن غريفن، وبعد التأسيس مباشرة، قام بتسليم إدارة الجائزة إلى كتّاب كنديين من بينهم مارغريت أتوود ومايكل أونداتجي.
بالعودة إلى ساحتنا العربية، يمكن القول إنَّ غياب معايير صارمة في لجان التحكيم، وفي النقد بشكل عام، إضافة إلى إشكاليات تتعلّق بالأمانة العلمية والأدبية في تقييم الإبداع، قصةً وشعراً ورواية، أدّى إلى تدهور في قيمة الإنتاج الأدبي نفسه، فقد سمح هذا المناخ بتطفلّ أسماء كثيرة على الأدب، وخصوصاً في "زمن النشر الفيسبوكي"، وأصبحت العلاقات الشخصية ذات أولوية على حساب قيمة الكتاب الإبداعية.
يبقى أن الكاتب العربي، مثله مثل أي كاتب في العالم، بحاجة إلى مثل هذه الجوائز، فهي تلفت انتباه الجمهور إليه، إضافة إلى عامل أساسي يتعلّق بالقيمة المادية للجوائز، والتي تتيح له أن يتفرّغ للإبداع. إذن، امنحوا جوائزكم بسخاء... لكن حافظوا على هيبة الأدب والنقد.
* شاعرة سورية مقيمة في كندا