تزدحم بيروت بالمهرجانات السينمائية، الواحد تلو الآخر، هذا مهرجان ينظمه مركز ثقافي أوروبي وآخر تنظمه جمعية. حالياً مثلاً تشهد المدينة أيام "مهرجان الأفلام الوثائقية" في دورته الثانية المتواصلة حتى العشرين من الشهر الجاري، بينما تنطلق أيام "مهرجان بيروت للفن السينمائي" في 17 من الشهر الجاري وتتواصل حتى 19 منه.
وهكذا يمر زمن المدينة كما لو أن لياليها مكّرسة للسينما أو أنها تتأرجح بين المهرجانات وهذا أمر جيد لكنه مؤشر أيضاً لتعقيدات أخرى.
ضجيج المهرجانات يعني أن المدينة مناساباتية بامتياز في مزاجها الثقافي، وأن الفعل الثقافي لا يحدث ولا يستمر لولا المبادرات المتكررة من هذه الجهة أو تلك والتي تبحث بالضرورة عن دعم لن تقدّمه إلا مؤسسات أوروبية أو أميركية أو لبنانية رسمية.
لنأخذ "مهرجان الأفلام الوثائقية" مثلاً، فهو يقام بدعم من مؤسسات كثيرة من بينها وزارة الثقافة والسفارة الأميركية والبريطانية ومن معهد غوته وغيرها من الجهات الأوروبية التي باتت معروفة ومكررة في كل حدث ثقافي في لبنان بل وربما كافة العواصم العربية.
ربما لهذا سنجد أن ثمرة هذا التمويل عرض أفلام من البلدان المموّلة بالدرجة الأولى، من ألمانيا وبلجيكا وبلغاريا وإسبانيا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا وهولندا وروسيا وسويسرا ولبنان، وكالعادة ستبحث عن المشاركات العربية فتجدها في خبر كان، وللأسف لا يبدو أن في الأفق أي حل واضح لمسألة التمويل والمشاركات.
على أية حال لا بد أن نلفت إلى الجانب الإيجابي في هذا المهرجان بالتحديد، وهو طبيعة الأفلام المعروضة وهي نخبوية ونوعية بحيث يصعب بالفعل أن تجد من يموّلها من الجهات العربية، فهي أفلام وثائقية عن العمارة والفن المعاصر والموسيقى وتاريخ الفنون والمتاحف، نوع سينمائي شبه مفقود في الإنتاج العربي.