لا
لا أكتب لكِ لا أتذكّركِ لا أنسى
لا أُدمّر رسائلَك
لا أُريدكِ أن تعرفي مكاني
لا أُريدكِ أَن تنسي أنّي بَعيد
■ ■ ■
اللاجئون
على ظَهر الصورةِ أكتُب
لأُذكّر نَفْسي
ليس أيْن أو متى ولكنْ مَن
لستُ أنا في الصورة
لم يتركوا لنا شيئاً
نحمِلُه معنا
فقط هذه الصورة
لو قَلَبتَها تراني
هل هذا أنتَ الذي في الصورة
لا أعرِف بماذا أُجيب.
■ ■ ■
البرابرة لا ينتظرون
لا أَحَدَ يَنتظر الصحْراءَ في الصحراء
ولا يَكشِف رأسَه في البَراري القاحلة
على الجِبال وفي الغابات داخلَ مخابِئَ رطْبَة
متحاشياً جحافلَ المتَحَضِّرين
غَوغاءُ يتجمّعون في المُدُن مِراراً
بعدما تَفيض بهم الحقولُ المفتوحة
ويَضيق البحرُ بحُطام سفنهم
تصلُنا الجَلَبَة التي يثيرونها في الميادين
من كل حَدبٍ وبكلّ سبيل مُمكن
لا يَكُفّ الرُسُل عن المجيء
ولا شيءَ مكتوباً على ألسنَتِهم
تلك التي نُشَرِّحُها كلّ مرّة بعناية
أولئكَ الناس كما نَعتَقِدُهم
فهل من مَفَرٍّ في اعتقادِهِم ناساً
لا يبدو أنّهم تعلَّموا التواصل
بأي طريقةٍ فعّالة أو مباشرة
لا فائدةَ عِندهم من البحث عن إجابة
وَسْط حُلولنا الناجِحة دائماً
فليسَ من عادةِ البرابرة الانتظار
قبل أن تَمحُوَهم الحضارةُ عن آخرِهم.
■ ■ ■
كنائس
تمتدُّ المَخطُوطات من علٍ
الكلمات أوّلاً ثم النصوص
فسيفساءُ صخرٍ ساكن على جِداريّةِ متحرِّكٍ شَفّاف
شبابيكُ يتكسّر الضَوء فيها
ناقِعاً أنفاسَ كلّ أولئك المؤمنين بلزوم أفعالٍ
يَنغرِز في ثنياتها مَصيرُ الأشياءِ
وقد َأطلَقوا بشكلٍ غيرِ ملموس
موكباً صاعِداً من الكلمات.
■ ■ ■
خطوط عريضة للكلاسيكيات
الإلياذة؛
غادروا.
الأوديسة؛
عاد.
■ ■ ■
قصيدة غرامية
كانتِ الستائر تَهذي في الهَواء.
■ ■ ■
الحادث
أَعمل في مصنع يُنتج القصائد. وذاتَ يومٍ بينما أُمارِس وظيفتي انسحقتْ يداي بين قَلَمي رَصاص.
■ ■ ■
جسور
العينُ بالسِنّ، هكذا كان يُمكن أنْ تقول الطبيبة
حين طالعتُها جانبياً من فوْقَ كُرسيِّ العلاج
بينما هي تَعمل واقفةً وأنا في حُلم يَقَظَة
حيثُ - مُخَدَّراً من الحركة المُرْتقبة
لخيوط شَعرٍ تُغبّش وجهها بخفّة -
أَحصُل على شَرَابٍ سحريّ من شأنه
أن يُراكِم جدائلَ تتجمّع تحت غِطاءِ رأسٍ طبيّ
يُغويني إلى طريقٍ سريع أو زقاق
قَوامُه الرغبة، مِثل جِسر بروكلين
في قَصيدةِ هارت كرين تلك التي لا تُقاوَم
يَربِط بيْتها بالعيادة الطبيّة في منهاتن
لكنّي أَشُكّ في أنْ تكون قالت أيّ شيء كهذا
فلطبِّ الأسنان أعباءٌ كبيرة
وَمَنْ عنده الوقتُ ليقرأ نصوصاً أثريّة
يُمكن أن تبني جسراً عَبْرَ المحيطَ الأطلنطي نفسَه
وتَستَعمِل أجنحتَها في إعادة هذا الملاكِ
إلى التُراب البولنديّ حيث جَدٌّ أَهْتَمُ
يَحلُم بحاخاماتٍ مُبتسمين.
■ ■ ■
بورخيس في كريت
قُدناه إلى النُقطة التي
تَخيَّل أنّه بَدَأ منها بالضّبْط.
كانتِ الأحْجارُ محتدمةً وَسْطَ الرُكام
حيْث الشّمس تَخترِق كلّ شِبْر
في ماضٍ ينكَشِف بِطَريقةٍ مُمَنهَجة.
نَنظُر ولا نَرَى.
وكان يقول لنَفْسِه وهو تائِهٌ
في أفكارٍ لم يلوّثْها الضَوء:
هنا كانتْ تلك المَتَاهَة ولا بُد.
لا بد أنّ المكان كان مُظلماً تماماً
كما هو الآن - يقول - فأنا أراه
بينما الزيزان تَضِجّ
وهي تَشحذ قرون الثور.
لا بد أنه هَامَ حتّى المَخْرَج
ويدُه مَقبوضة على شكل كُرة
لا يُرى طَرَفُها وحتى الآن
لا يُرى إنْ وُجِد.
لأننا فَقَدناه من أعيُنِنا
لحظةَ أعمتْنا الشمس
وهي تَهرُب في مرآةٍ أُسطُوريّة
مِن الصَنَم الحقيقيّ لعالَمٍ لا وجودَ له.
■ ■ ■
أوديسيوس في المَنزِل
مُستَعيناً بمَكْري كما يَعلَم الجميع
تركتُ ظِلّي في البحر
وعُدتُ مباشرةً إلى إيثاكا.
لم يُصدّق أحد أنني جئت.
أنا أيضاً أُمرِّر أيامي
كأحد خُطّاب بينيلوبي،
لكنّي أَنسِج في السِرّ.
إنها تَفزَع كل صباح
إذ تَجدُ فستاناً جديداً على النَوْل.
على الفوْر تَجعلنا نَحُلّ خُيُوطَه
كلُّ خاطِب يَشدّ خيْطاً مختلفاً.
سيصير جِسْمُها فُستانَ زفافٍ
حين تُترَك بلا أي فستان
عاريةً تماماً
فتتزوّجُ أحدَنا
وتَبذُر البقيّة إلى أماكنَ أجنبيةٍ.
في مَصْلحتِنا إذنْ
أنْ يتعطّلَ التاريخ بينما
نُصبح طَرَفاً في مَكيدَتِها.
هكذا يمُرّ الوقت في انتظارِ
أن يصل أوديسيوس.
■ ■ ■
حلم فرويد
بدبّوس شَعر أُمّي
في عيْني أوديب
باتَ كلُّ شيءٍ أسودَ
وعلى جِلد الشيزلونغ الأسودِ
حيث أنا راقدٌ تدحرجتُ
إلى جَوْف رُواقِ النوم الأسود
حيث - مغبّشةً في الأحماض -
تَظهَر صورة لأبي وقد مات
قبل أن يستطيع ابنه أن يأكل
فالأم حَبيسة المطْبَخ تَطهو
وشَعرُها الملائكيّ الطويلُ
مُلقىً في الوَعَاء الذي تقلّبَ فيه
وهي تتنهَّد مِن فوقُ النار
بمِلعَقَة طويلة وحادّة هي دبوس شَعر
سيَقلع عينيه حتى يتكّمن
وسْط أحلامه السوداءِ أخيراً
من الاستسلامِ للنُعاس.
■ ■ ■
الإمبراطور
حين أقول إنّ العُراة لابِسون
يَفهمون أنّي إمبراطور
لأنّ العاريَ الذي يقودُ عراة
لا بُد وأنْ يكون بِلِباس
حين أُسمّي مَن حولي أحراراً
يعرفون أنّ عليهم الرّضوخ
فلا شكّ أن الأذكياء منهم
سيحيطون بأكثرَ واحدٍ بلا ضمير
ولو سمعتُ مَديحاً ناشزاً
أهنّئ الفنّان على الفوْر
فمَن يَجرُؤ أن يوقِف
سيل الرِياء المُظَفّر
يظنّون أنّي لا أرى العَرَاء
أو أعتقد الرضوخَ ذكاءً
أنني لا أملِك ذَرّة ذوق
وهكذا أُغيّر كل شيء من جديد
لأنني أنا الإمبراطور.
* Yiorgos Chouliaras أحد أهم شعراء اليونان المعاصرين، ولد في ثيسالونيكي عام 1951. عمل صحافياً وأستاذاً جامعياً ومستشاراً لمؤسسات ثقافية كبرى مثل "المؤسسة الهيلينية للثقافة" ومتحف الفن الحديث في نيويورك (موما)، كما عمل ملحقاً صحافياً في بعض سفارات بِلاده، وأقام من ثمّ في نيويورك ودبلن وأوتوا فضلاً عن أثينا. وقد ساهم شولياريس في تأسيس اثنتين من أهم المطبوعات الأدبية في اليونان، "ترام" و"هارتيس" كما حرّر مطبوعات أدبية وأكاديمية في أميركا. كان رئيس لجنة تحكيم جائزة الاتحاد الأوروبي للآداب وانتُخب رئيساً لاتحاد الكتّاب اليونانيين مرّتين. حاز جائزة أكاديمية أثينا عن كتاب "مذكرات مضادة"المرتّب ألفبائياً ومجمل أعماله سنة 2014.
** ترجمة: يوسف رخا