كيف نفهم أن البلدان التي حققت الاستقلال منتصف القرن الماضي، بات شبابها هارباً منها؟ هذه إحدى الإشكاليات التي طرحها أمس المفكر التونسي يوسف الصدّيق، خلال لقائه الجدالي حول "راهنية فكر فرانز فانون" مع المحللة النفسانية الفرنسية من أصول جزائرية، أليس شركي، في "قاعة الأدوتوريوم" في تونس العاصمة.
يبدأ الصدّيق كلمته بتذكّر كيف تقبّل جيله كتابات فانون، أعمال مثل "بشرة سوداء، أقنعة بيضاء" و"معذّبو الأرض"، والتي كان يرى فيها "إنجيلاً للتحرّر". يقول الصدّيق إن استعادته لا تبتغي أن تأتي من موقع نوستالجي للمفكر والطبيب النفساني الذي أقام لسنوات في تونس والجزائر، بل أن نحاول أن نرى كيف أن "أفكار فانون فاعلة، وما تغيّر هو المسارح والسيناريوهات".
فضّل الصدّيق أن يكون مسائلاً أكثر من ملقي محاضرة. تجيبه شركي على الإشكالية التي طرحها قائلة: "علينا أن نعرف مع فانون بأن محرّكات المجتمعات ليس اقتصادية فحسب، إنها نفسية أيضاً".
بالتالي، ترى أن ما حصل في البلدان التي استقلّت لا يعدو أن يكون حالات من تحرّر الشعوب دون تحرّر الأفراد، وما تصل إليه هذه البلدان يشير إلى أن رهان الحرية قد يفضي إلى خيبات أمل، والمرحلة الحالية دليل جديد، حيث خرج التطرف في خضم الدعوة إلى الحرية، مشيرة إلى أن في فكر فانون ما ينفع في دراسة ظواهر اليوم التي لم يعاصرها، لأن الكثير من قضايا اليوم كانت في الخمسينيات بذوراً.
لاحظ فانون أن هناك ضغطاً تمارسه الحروب أو القمع بصفة عامة على فهم المجتمعات للحرية، ما يخلق تشويهات في تمثّلها، وهو ما ينجرّ عنه بعد ذلك "حالة اغتراب داخل الحرية"، مؤكداً على أن الحرية هي الخيار الأصعب/ الأصوب للشعوب وللأفراد، لتظل أطروحته الرئيسية "تحرير الإنسان وليس الأوطان فحسب".
يرمي الصدّيق بمفهوم العنف في سياق حديث المحللة النفسانية، ويسأل في نقاش مفتوح مع الحاضرين عن تطوّر هذا المفهوم الذي كان ملتصقاً بكلمة الثورة (العنف الثوري) والذي نشهد في وقتنا الحاضر أنه جرى غمره بمفهوم "العنف الإرهابي".
أثار الصدّيق أيضاً مسألة وجود "عنف مقبول لأنه فقط لا يقول اسمه. عنف تمارسه العولمة مثلاً، وهو ما يصنع قيماً جديدة، لعل "الإرهاب" علامة من علاماته، والذي يبرهن على إفلاس مجتمعات وإفلاس التواصل داخلها وبينها".
في ختام حديثه، يقول الصدّيق: "أتخيّل "مُعذّبي الأرض" اليوم، هم أناس وجدوا العولمة قامعةً إلى درجة أصبحوا فيها يأتون بقمعٍ مضاد/ عولمةٍ مضادة، ونحن نكتشف أن ذلك يبعدنا عن الحل/ الحرية".
اقرأ أيضاً: العودة إلى فانون وسيكلوجيا الاستعمار