قبل وصولي المدينة، لم يكن لي من تماس (فما بالك بالخبرة)، بهذا النوع الصافي والحارّ من الغناء أو العزف. هنا فحسب تعلّمت كيف أُصغي، بكل جوارحي (يا لها من كلمة رديئة!)، لما يعزفه أو يغنّيه أو "يُكَورِله" فنّانو الشارع، بينما يكون المشهد حولك وحولهم، طافحاً بموجوداته من جماد وبشر وزمن في حركةٍ سائلة.
غناء حيّ وسريع العبور مثل نهر هيراقليط.
أحياناً أُتابع الفنان فأحزن: ندرة تهتم، واحد أو اثنان، والباقي يعبُرون: لا يرون ولا يسمعون.
وأحياناً أفرح: كثرة حدَّ الحشد، خاصة مع فنان الكورال أو فنانة الأوبرا.
وفي كل الأحيان، تبقى ملاحظة أمست تخدش نشوتي في السنوات الأخيرة: اعتماد أغلب هؤلاء على الغناء أو العزف بمصاحبة تسجيلات، بينما يحتفظون هم بآلة واحدة يعملون عليها.
لعله حُكم الضرورة.
ولعل الشكر الموصول هو ما ينبغي توجيهه لهم هنا. فلكم ألهموني بكتابة من هذا النوع أو ذاك.
الفنون تتضامّ وتتواشج، ومع كل فن ثمة قرابة للشاعر.