رحل صباح اليوم المترجم المصري أبو بكر يوسف (1944-2019)، أحد رواد ترجمة الأدب الروسي من لغته الأم إلى العربية، تاركاً خلفه قصص تشيخوف وقصائد بوشكين ومنها: "وسيذكرني الشعب طويلاً بالعرفان إذ أيقظ قيثاري الإحساس وفي العصر القاسي غنيت الحرية ودعوت إلى العطف على البؤساء".
من بيت والده العمدة في قرية في صعيد مصر، إلى موسكو، شق المترجم الراحل طريقه، حيث درس الأدب واللغة الروسية وأجادها قبل أن يعمل في جريدة "أنباء موسكو" ليطل من نافذة مكتبه يومياً على تمثال بوشكين، شاعر روسيا الذي حاول في بدايات تعلمه للغة ترجمة بعض قصائده.
لكن الترجمة الجدّية بدأت مع إصرار الشاب على ترجمة تشيخوف، فكانت أولى محاولاته عام 1962، حين قام بترجمة قصة لتشكيوف ثم قرأها بصوت عالٍ فلم تعجبه، فظل يعيد ترجمتها ونقلها ويطوّر في لغته وطريقته، واستمر يتدرب على الترجمة عشرين عاماً قبل أن يصدر أول ترجمة لمجموعة من قصص تشيخوف.
عندما وصل إلى موسكو التحق بكلية الآداب وكان ذلك عام 1959، وفي سنته الثانية التقى الفتى المصري بشابة روسية حسناء تشاركه اهتماماته في الأدب والمسرح، فتزوّجا بعد فترة وجيزة وعادت معه إلى مصر، حيث التحق بكلية الألسن في جامعة عين شمس، أستاذاً للأدب الروسي واللغة الروسية ومادة الترجمة.
حينما عاد بكر وأسرته الصغيرة إلى موسكو عام 1968 ليشرع في نيل درجة الدكتوراه بدأت أخصب فترات حياته علمياً وسياسياً وإنسانياً، حيث عمل في "دار التقدم" الروسية التي كانت من أكبر دور النشر في الاتحاد السوفيتي، وفيها كان يعمل مئات المترجمين والمراجعين والمصححين والمستعربين لترجمة الكتب من اللغة الروسية إلى أكثر من خمسين لغة من لغات العالم.
في "التقدم"، التقى بالروائي العراقي غائب طعمة فرمان والشاعر السوداني جيلي عبد الرحمن ونشأت صداقة بين الثلاثة وكانوا يعملون معاً في الترجمة في هذه الدار. وحين طرحت فكرة ترجمة كتاب لقصص تشيخوف اقترح يوسف أن لا يقتصر هذا الأمر على ترجمة كتاب واحد وإنما مشروعاً بترجمة أعمال مختارة من ستة مجلدات.
قوبل هذا الاقتراح بترحاب وبدأت دار التقدم لأول مرة في إخراج سلسلة مؤلفات مختارة للكتاب الروس، وكان هو من بدأها بترجمة أعمال تشيخوف إلى اللغة العربية بهذا الحجم لأول مرة من اللغة الروسية مباشرة، واستغرق العمل ثلاث سنوات.
بعد تشيخوف، فكّر يوسف في ترجمة كتاب كامل للشاعر ألكسندر بلوك مخالفاً المتبع حينها بأن تترجم عدة قصائد متفرقة للشاعر الواحد، ليصدر لأول مرة باللغة العربية ديوان كامل لشاعر روسي.