فكرت المعمارية العراقية البريطانية (1950) في حدائق معلقة فوق أنفاق المترو ومراكز تجارية ضخمة تحت الأرض، وكأنها لا تريد إقلاق المكان البرليني بالمشهد التجاري المعتاد. وإن كانت الفكرتان لم تتجسّدا على أرض الواقع في المدينة الألمانية، لكننا سنرى لاحقاً انعكاساً لهما في تورونتو ونيويورك.
سلكت حديد الطريق غير المطروق من قبل، الطريق الأصعب متأثرة بالمدرسة السوبرماتية "التفوقية" والبنائية الروسية في بداياتها في السبعينيات، حين كانت طالبة المعماري اليوناني، إيليا زنغليس، والهولندي، رم كولهاس، في "الجمعية المعمارية البريطانية" قبل أن يصبحا شركاء لاحقاً.
قد نستغرب حين نقرأ أن تصميمات حديد المبكرة كانت توصف أنها غير واقعية ولا قابلة للتطبيق من حيث سعيها إلى ربط الأشياء بالعالم من خلال العاطفة، فهذا ليس الانطباع الأول الذي تعطيه تصاميمها الراهنة ولا الشخصية التي يحاول الإعلام الغربي أن يرسمها لحديد كاسم على مسمّى؛ امرأة حديدية بعمارة مجرّدة ومبتكرة، مستعيناً بغرائبيّتها وحقائبها ذات التصميمات المستقبلية وصوتها الأجش وملامحها الصارمة واستعدادها، لأن تكون فظة في أي لحظة.
وإن كانت المذيعة البريطانية سارة مونتاغ قد سألت سؤالاً غبياً لحديد في حوار معها على "بي بي سي" قبل أيام قليلة مستفسرة، إن كان الناس يعتقدون أنها مرعبة، فقد تلقت جواباً رادعاً لا ينفي كثيراً هذه الفكرة: "لا أعرف، لم يقترب مني أحد ويسألني إن كنت مخيفة أم لا" أجابت حديد.
لم يسر اللقاء مع نجمة العمارة العالمية على ما يرام، بل انتهى بانسحابها على الهواء: "لننهِ هذا الحوار، ليس لدي رغبة في إتمامه". لكن حديد تشغل الصحافة، هذه الأيام، لسبب أكثر أهمية من اللقاء الذي اعتذرت لها عنه "بي بي سي"، فقد حصلت، الأسبوع الماضي، على الميدالية الملكية الذهبية لجائزة "ريبا"، واحدة من أرفع جوائز العمارة في العالم، والتي يبلغ عمرها 167 عاماً ولم يسبق وأن حصلت عليها امرأة وحدها من قبل (هناك بضع نساء حصلن عليها مناصفة)، وحصل عليها عظماء العمارة أمثال لوكوربوزييه وآي.إم.بي وشيبرفيلد.
تأثرت حديد بأعمال مالييفتش ذات التكوينات الهندسية الحارة الانفجارية والطائرة، يقول الناقد المعماري البريطاني، ديان سوجيك، عن علاقتها بلوحات الفنان الروسي إنها "واحدة من مصادر أفكار زها حول الكيفية التي يثور الفضاء وينبثق من الأرض، والكيفية المحتملة لتقاطع المستويات، وانجذابها إلى الجدران الناشئة من أصل الأرض انبثاقاً من مستويات بنائية زائدة، بدا الأمر للمعماريين الآخرين متعذر البناء وغير عملي في عالم مستطيل. ومع ذلك إنها تصاميم ناجحة كما نرى الآن". يؤكد ذلك أستاذها وشريكها وصديقها، زنغليس، الذي يقول إن زها الرسامة التي لم تعد ترسم، وإن لوحاتها ذات التراكيب الهندسية ثلاثية الأبعاد تقترب كثيراً من عوالم مالييفتش.
عمّا كان يعتمل في رأسها خلال 13 سنة، عملت فيها أستاذة في "الجمعية المعمارية البريطانية" بعد تخرّجها، واصفة إياها بالسنوات المؤثرة، تقول "كل ذلك الهراء الميتافيزيقي تحوّل إلى ما أسميه الواقع المحسوب، كنا (المعماريون) نشعر أن هناك شيئاً سيحدث، أننا سنكتشف شيئاً، أن هناك طاقة عظيمة في الأرجاء، مثل طنين مجهول على السلالم وفي الغرف وفي الشباب الطائش وفي الموضة، كان الجو مشحوناً بالتمرّد على كل شيء، لم يرد أي أحد أن يكون عادياً".
اقرأ أيضاً: عمارة المعلومات: تخيّل مدن المستقبل